آخر تحديث :الجمعة - 27 ديسمبر 2024 - 08:30 ص

كتابات واقلام


عبدُه غلط في الحساب !

الأربعاء - 24 أغسطس 2022 - الساعة 08:07 م

أحمد محمود السلامي
بقلم: أحمد محمود السلامي - ارشيف الكاتب


هو اسم مسلسل مصري قديم ابيض واسود عرضه تلفزيون عدن في سبعينيات القرن الماضي ، من تأليف وبطولة الممثل والمؤلف المصري الراحل سيد بدير الذي جسد شخصية (عبده ) بكل اتقان وقدرة فنية رائعة .
اذكر ان ابي رحمة الله عليه كان يتابع كل حلقات المسلسل بشغف وارتياح كبير، وكان يحكي لي في اليوم التالي وهو ينفث دخان سيجارته بمتعة أحداث الحلقة التي فاتتني مشاهدتها .
كانت أحداث المسلسل تدور حول موظف حكومي تقاعد عن العمل وهو في الستينات من عمره ويعيش وحيداً ليس لديه اهل او اقارب ، فضل ان يأخذ حقوقه كاملة بدلاً عن الراتب التقاعدي الشهري ظناَ منه انه لن يعيش أكثر من عشر سنوات ! وعلى هذه الحسبة قام بتوزيع المبلغ الذي قبضة من المعاشات الى مصاريف عشر سنوات ( 120 شهراً ) وحسبَ وخططَ لكل ما يحتاجه في الشهر الواحد بدقة ابتداء من إيجار البيت والكهرباء والماء والأكل والملابس والدواء الى أبسط الأشياء وأصغرها ، بحيث انه لن يحتاج لأحد بعد ذلك .
مرت العشر سنوات وعمنا عبده لازال حي ! فشل تخطيطه وتدبيره ولم يجد في النهاية ما يصرفه على نفسه ، لم يكن أمامه غير التسول من الناس حتى يؤمن لنفسه ما يقتات به بقية حياته .
استطاع المسلسل ان يعرض لنا في قالب درامي ممتع رسالة مفادها انه مهما خططنا وحسبنا لن نصل الى درجة الكمال في التنفيذ ، وانه بالضرورة الأخذ في الحسبان كيفية التعامل مع عنصر المفاجأة والمعوقات التي قد تطرأ هنا وهناك .
هذا ما حصل لعبده وهو شخص واحد ما بالكم تشاهدون بلد غني بثرواته وبتاريخه يتسول بسبب غلطات الحكام والنخب السياسية التي لم تتوقف منذ ستين سنة .. حكومة تتسول وتتفنن في مسميات التسول ما بين الدعم والمنحة والوديعة والقروض والمساعدات من الدول الاجنبية ودول الجوار للأسف .. وشعب يتسول قيمة غذاء وقيمة علاج ودواء وقيمة ملابس للأطفال تحت اسم معونات انسانية وسِلَال إغاثة واعمال خيرية .. بالمختصر المفيد شعب يتسول حتى لقمة العيش .

عمنا عبده منصور غلط في الحساب عندما ظن ان العالم سيتركه يؤسس دولة اليمن الحديث وانه سيرفع العلم فوق جبال مران ، قضى عليه تفكيره الاناني والسطحي واعتمد على شخصيات انتهازية لا تفقه شيء في السياسة ، ولم تقرأ تاريخ اليمن بشكل جديد خاصة قصة سيف بن ذي يزن و مقولته الشهيرة ( استبدلنا أسيادً بأسياد ) ، وفي الاخير جعلوا ــ عبده منصور ــ يتحول إلى حكاية تنبعث منها تهم الفساد والثراء والنكت الساخرة .
السيد عبده لازال يغلط ويظن أن العالم سيتركه يحكم اليمن دون أن تتحقق مصالحهم واطماعهم في الارض والثروة والحكم ، هو بالذات يكرر مأساة سيف الذي استعان بالفرس لمحاربة الاحباش وإخراجهم من اليمن لكنه استبدل ما هو شر، بشر أكثر منه .
اما الزعيم فكان يخطئ دائماً ويحاول إصلاح خطأ بخطأ جديد وهكذا دواليك ، ولكن اكبر خطأ ارتكبه في حياته عندما ظن ــ متفاخراً ــ إن " الرقص على رؤوس الثعابين يعتمد على حنكة الراقص " ومن المفارقات العجيبة أن ذلك الراقص المحنك أودت بحياته لدغة ثعبان سام من الثعابين التي كان يرقص على رؤوسها حافياً .
الشعب اليمني شعب بسيط وطيب يبذل روحه من أجل الآخرين ، لكنهم قسموه و زرعوا بين فئاته ومناطقة القلاقل والفتن وجعلوه يقتل بعضه البعض ، وهو يحاول الان بذل ما يستطيع من اجل النهوض لاستعادة كرامته وسيادته وعزته ، وعساه أن لا يغلط في الحساب كما فعلووووووا .