آخر تحديث :الإثنين - 09 سبتمبر 2024 - 08:03 ص

كتابات واقلام


مكر السياسة والعشاء الأخير

الأربعاء - 31 يوليه 2024 - الساعة 03:07 م

نزيه مرياش
بقلم: نزيه مرياش - ارشيف الكاتب


إن لم تكن تعلم، فعلم أن النصر في الحروب العسكرية او السياسة او الإقتصادية ... إلخ، لن يرى النور مالم تعلم كيف يُفكر خصمك، لتكن متقدماً عليه بخطوة وأحدة على الأقل .
هذا التقدم الذي تم شهر سيفه في وجة الأطراف الأخرى من قبل الحوثي، الذي ليس فقط تقدم عليهم بخطوات عديدة، بل أيضاً فرض عليهم العودة إلى الخلف لعدة خطوات، هذه الخطوات المتقدمة المتمثلة بالأتي : -
* حرب برية
يُضحكني حين أسمع الأطراف الأخرى تتغنى بأعذب ألحان الثقة بالنفس الشجاعة، التي تُسمعنا الرغبة بالسماح لهم _ من قبل المخرج _ بشن حرب برية على المليشيات الحوثية الهشة الضعيفة التي سيقهروها خلال أسابيع، لكن ما يجهله هؤلاء الأطراف أن الحوثي قد تقدمهم بخطوة . حيث أن الحوثي يعلم ليس فقط أنه لا يحتمل حرب برية، بل أيضاً يعلم، لدرجة الثقة العمياء، أنه لا يوجد حرب برية ضده في سيناريو صناع مستقبل اليمن . والدليل على ذلك أن البرنامج التطويري للحوثي في العتاد العسكري، لا يُركز على توريد او تصنيع او تعديل السلاح الذي يُستخدم في الحرب البرية، بل يُركز على برنامج تطوير السلاح الذي يُستخدم للتهديدات الإقليمية والدولية والمنشأت التوريدية المحلية، مثل طائرات بدون طيار و صواريخ بعيدة المدى وفرط صوتي، وقوارب مفخخة .
* الإختيار الناجح
إختيار الثعلب الماكر للبرنامج التطويري لسلاح عابر للأقاليم كانت ضربة معلم، حيث أستطاع بهذا السلاح أن يملك أوراق ضغط بكلتا يديه، حيث بيده اليمنى يهدد ( إتفاق مسبق ) أمريكا وإسرائيل ودول الغرب، وبيده اليسرى يكسب ولاء أندادهم الأزلين المتمثلين بالصين وروسيا . وبكلتا يديه، وعبر تهديد بضرب البنية التحتية التي ستضر الرؤية السعودية 2030 وإستضافة كأس العالم عام 2034م في السعودية، أحتضن الحوثي ( الولد الشقي ) والدته السعودية التي سترسيه إلى بر الأمان لأنه يأرقها بتهديداته، بعكس خصومه ( الأولاد الطائعين ) الذين لا يملكوا ما يخيف السعودية، التي لا يهمها غرقهم في مستنقعات التنازلات في مفاوضات خارطة الطريق، سواء بالسلم او تهديدهم ليس فقط عبر وقف الدعم عنهم وهذا ما نراه هذه الأيام، بل أيضاً مساعدة الحوثي لضرب المنشآت التوريدية في المناطق المحررة .
* شرعنة الحوثي
أول حصاد من عدة حصائد للحوثي من ثمار شرعنته ومقايضتها بأمن المملكة السعودية، وضمانات بعدم القيام بتصعيد، هي إلغاء قرارات بنك عدن وعدم إتخاذها مستقبلاً، وإستئناف طيران اليمنية في صنعاء وزيادة عدد رحلاتها، إضافة إلى حقهم في إصدار جوازات، وبذلك منح جوازات لخبراء ومقاتلين إيرانيين ولبنانيين وأفارقة، وهذا ما نشهده هذه الأيام .
* مربط الفرس
ومن مكر الثعلب الحوثي هو علمه الفطن، بأن المملكة العربية السعودية هي مربط الفرس والأمر والناهي لمستقبل اليمن، حيث أن السعودية أستطاعت فرض إستمرار المفاوضات بعكس ما تشتهية أمريكا ودول الغرب، الذين يعلموا أن السعودية هي الداعم الوحيد الذي سيدفع تكاليف الحرب البرية ضد الحوثي، حالها كحال دول الخليج التي دفعت تكاليف حرب الخليج ضد نظام صدام حسين، رحمة الله تغشاه . إلى جانب ذلك يعلم الحوثي أن السعودية هي القائد المتحكم بخصومه الأخرين في اليمن، الذين لن يتجرأون على التعدي على الخطوط الحمراء دون موافقة المملكة العربية السعودية .
* دهاء عابر القارات
أستغل الحوثي الصراع بين القوى العظمى ليجذب روسيا والصين اللتان تدعمانه وتساندانه، ليس فقط كرد على دعم أمريكا والغرب لكلاً من أوكرانيا وتايوان لإستنزاف روسيا والصين، بل أيضاً لأن مزيد من التصعيد في الشرق الأوسط، من شأنه أن يحول إنتباه واشنطن والغرب وإمداداتهم عن أوكرانيا وتايوان . علماً أن إدارة بايدن أرسلت إلى الشرق الأوسط عتاد عسكري وسفناً ومشاة بحرية ، ومنظومة "باتريوت"، من مخزون كييف . وبذلك سيتم إستنزاف أمريكا ودول الغرب في أكثر من جبهة .
* العرق دساس
لا يمكن أن ينسى التاريخ بأن أفضل وأعتق وأخلص علاقات صنعتها السعودية، مع أحد أطراف الشمال او الجنوب في كل مراحل اليمن، كانت مع الإمام يحيى وأبنه أحمد اللذان نسل الحوثيين من أصلابهما . بمعنى « ما الحب إلا للحبيب الأولي » .

لست من مؤيدي الحوثي ولكن ما أجمل أن تتغزل بمكره السياسي، الذي غلب به خصومه والذي جعله هداف المفاوضات في شباك خارطة الطريق، لعل الساسة ليس فقط يفقهوا مكر السياسة وعدم الإتكال على حليفهم الرياض، بل أيضاً لربما يخلقوا مكر سياسي يجعلهم متقدمين على الحوثي، حتى بنصف خطوة قبل فوات الأوآن، ويكونوا ضيوف على طاولة العشاء الأخير لمستقبل اليمن بدلاً أن يكونوا إحد وجبات هذا العشاء .