آخر تحديث :الأربعاء - 18 ديسمبر 2024 - 07:12 م

كتابات واقلام


لا عاصفة حزم 2 بل سياكس بيكو 2

الأربعاء - 18 ديسمبر 2024 - الساعة 04:21 م

نزيه مرياش
بقلم: نزيه مرياش - ارشيف الكاتب


الأفراط والإسراف في أي شيء يفقد الشيء قوته ورونقه ومصداقيته، وهذا ما شعرنا به من الحملة الإعلامية المحلية والاقليمية والدولية التي تنشر أقلامها، كل ما يدل على أن هناك عاصفة حزم ثانية للقضاء على الحوثي . علماً أن الأفراط الإعلامي المحلي يفرز النوايا الصادقة لممثليها في المجلس الرئاسي لشن الحرب، ولكن الإفراط الإعلامي الإقليمي مجرد إفرازات تحذيرية لإرهاب الحوثي ليرضخ للجلوس على طاولة محادثات السلام وبشروط أقل .
أما الإفراط الإعلامي الدولي هو كإشهار السيف وهو في غمده، فلا نصلاه ستجرح الحوثي ولا ستسمح لحلفائها بجرح الحوثي، حيث يمثل إشهار السيف بالغمد كالجزرة التي تُغري بها حلفائها، دون علمهم، ليمثلوا مشهد من فلم أعده الأمريكان ليفرضوا إسرائيل على العرب، كبطل ليس فقط لهذا المشهد بل للفلم كامل الذي أجزائه اللأمنتهية ستعيد ترتيب جنوب الشرق الأوسط، بما تشتهية أمريكا أولاً ثم إسرائيل والغرب .
فكيف أمريكا ستوافق على إنهاء وجود الحوثي ؟! وهي من سمحت له بدخول صنعاء، وهذا ما صرخ به التاريخ الذي تردد صداه على لسان مندوبة الإتحاد الأوربي والسفير الإمريكي، اللذان طلبا من الوزير السابق الفريق الركن/ محمد ناصر بإنزال سرب الطيران والسماح للحوثي بدخول صنعاء دون طلقة رصاص .
فهل من خلق الجنين الحوثي من العدم في رحم صنعاء، وحافظ عليه من الإجهاض في الحديدة بإتفاق ستوكهولم، وأنقذه من سوء التغذية عبر إلغاء قرارات البنك المركزي عدن، سيتخلى عن هذا الجنين بعد أن صار طفل وبهذه السهولة . فمازال للطفل الحوثي أدوار مستقبلية التي تمثل مربط الفرس، ليس فقط لإقناع الكل بوجود إسرائيل كقوة ضاربة في الشرق الاوسط، بل أيضاً لتنفيذ ماتريده أمريكا من تغيرات جديدة في الشرق الاوسط .
فعندما تنجح وصفة ( سنة وشيعة ) في الشرق الأوسط ليس فقط لأبتزاز دول الخليج، ولضرب طرف سني بشيعي والعكس عبر شن حروب فيمابينهم وبذلك يبيع الغرب وامريكا صفقات السلاح لدول الخليج، بل أيضاً لإعادة خلق إتفاقية سايكس بيكو 2 وتقسيم كل دولة عربية إلى دويلات مذهبية، التي سيحي الغرب بها التناحر فيما بينها في أي وقت في المستقبل، فهل يعقل أن يلغي الغرب وامريكا هذه الوصفة الناجحة من خارطة اليمن عبر إنهاء الوجود الشيعي ( الحوثي ) في اليمن، التي تمثل نواة إنطلاق المخططات الامريكية الإسرائيلية في الشرق الاوسط الجديد .

أنه لضرب من الخيال أن يستأصل الامريكيين والاسرائليين الحوثيين من جسد اليمن، فالحوثي الذي طالت صواريخه وطائراته بدون طيار إسرائيل، ليس فقط شرعن إنتشار الأساطير الأمريكية والغربية على البحر الأحمر والعربي، وشرعن الحق لإسرائيل والغرب لشن ضربات جوية على اليمن، وشرعن إنشاء قاعدة أمريكية إسرائيلية في جزيرة ميون وقاعدة إستخباراتية في سقطرى، وشرعن تعزيز تواجدهما العسكري المباشر في باب المندب، بل أيضاً شرعن إعادة تموضع القوات البريطانية الإمريكية المنسحبة من أفغانستان، ونشرها على امتداد السواحل الجنوبية والشرقية لليمن، لأجل مشروع كامل لتغيير جيواستراتيجي شامل في المنطقة، ونقل محور الدفاع عن الشرق الاوسط والخليج من المحيط الهندي إلى إسرائيل .
فبرغم أن الحوثي كان هو حجر الأساس لتحقيق كل المخططات الامريكية الإسرائيلية التي ذكرتها سابقاً، ولكن مازالت جعبة المخرج مليئة بمخططات لمستقبل الشرق الأوسط، والتي تحتاج لوجود الحوثي كمشرعن لكل ما تتمناه أمريكا التي يُرقها طريق الحرير الصيني المرتكز على سواحل اليمن في البحر الأحمر والعربي .
فالحوثي سينتقل من أحضان الأب المتبني الإيراني إلى أحضان الأب الحقيقي الأمريكي، حاله كحال العواصم ( بيروت ودمشق ) التي سقطت من أحضان إيران ( بعد اعطائها اطماعها من تخصيب اليورانيوم والغاء العقوبات ووو ) ولكن ليس إلى أحضان الأمة العربية بل إلى فكايي أسرائيل وتركيا وأحضان أمريكا .
وأختم مقالي بالقول : - أن الحروب تعتمد على عنصر المفاجأة والمباغثة وليس على الإفراط الإعلامي لقرابة أسابيع حول شن حرب، لذلك لن ولن يسمح الغرب وعلى رأسهم أمريكا بشن حرب على الحوثي، فمازالنا في الفصل الأول من كتاب الشرق الأوسط الجديد، الذي إيران وتركيا يمثلا فيه الغلافان الأمنيان اللذان سيمكنان القائد الأسرائيلي من تأليف بقية فصول الكتاب .