آخر تحديث :الثلاثاء - 24 ديسمبر 2024 - 09:39 م

كتابات واقلام


القيادة والغاية

الخميس - 31 أكتوبر 2024 - الساعة 12:25 ص

حسين أحمد الكلدي
بقلم: حسين أحمد الكلدي - ارشيف الكاتب


لقد قدّر لي في أحد الأيام، عندما كنت طفلًا صغيرًا في عام 1969م، أن أكون بجانب كوكبة كبيرة من القادة الشباب الطموحين والمتعطشين للحرية والاستقلال. كانوا رجالاً وهبوا حياتهم لخدمة الناس في المجتمع الريفي، وسعوا إلى تكوين وتأسيس مؤسساته المدنية، وتطويرها للوصول بها إلى مكانة متميزة في مجال عملها. مرّ هؤلاء القادة بأيام عصيبة، شعروا فيها بالإحباط والألم معظم الأوقات، إلا أنهم كانوا مفعمين بالطاقة والحماس.أعتبر نفسي محظوظًا للغاية، فقد وجدت نفسي في تلك المرحلة المبكرة بين هؤلاء الرجال، أحمل معهم نفس الروح، ونفس الشغف الذي يملأ قلوبهم. كنت أشاركهم نفس القضية، والهدف، والغاية، رغم صغر سني. وقد تشبعت بتلك الصفات والروح والإحساس الذي يحملونه؛ فأصبحت أعتبر نفسي واحدًا منهم، وأشعر بالشغف والحماس وأتمنى لو يوكلون لي بعض المهام التي يقومون بها. ومع ذلك، كانوا يدركون أن مرافقتي لهم كانت من باب التشجيع والتأهيل. ما زلت أذكر بعض هؤلاء الرجال، مثل علي محمد عبادي، وعمي صالح يوسف العمودي، وأحمد شيخ صالح، وراجح سيف الزعبلي، والأستاذ محمد علي ناصر، رحمهم الله جميعًا. هؤلاء هم جزء من الكثيرين الذين وهبوا حياتهم لخدمة قضية عظيمة، جعلوا من الدفاع عنها ونصرتها ونشرها بين الناس شغلهم الشاغل. كانوا يدركون أن ما يقومون به ينبع من رغبة حقيقية في تحقيق العدل والإنصاف والاستقلال. لم يكن اهتمام هؤلاء القادة بالمناصب أو المراكز، بل بروح القيادة الحقيقية التي تدعم المجتمع وتخدم مصالح الناس. كانوا يبذلون أوقاتهم ويضحون من أجل الخير العام دون أن يخونوا مبادئهم، ويتخذون القرارات التي يرونها صائبة وتخدم المجتمع الذي يعيشون فيه. أسهموا في تأسيس الإدارات والمحاكم المدنية، ومجالات الصحة والتعليم، وتطوير العمل التعاوني، وإنشاء المدارس والأسواق، وشق الطرقات. كان تعاملهم مع الناس يتسم باللطف والاحترام، لكنهم كانوا يتمتعون بقدر عالٍ من المسؤولية والنزاهة والإخلاص، والحزم عند الضرورة. فالقائد الحقيقي يتميز بالموازنة بين الرقة والحزم، والشجاعة والرحمة، والجرأة والعدل. ما يحزنني اليوم هو أن القليل يعرف عن سير هؤلاء الراحلين. عاشوا حياة مليئة بالعطاء، وأبدعوا بشكل مذهل رغم الظروف الصعبة. كانوا يسافرون سيرًا على الأقدام بين القرى، ويجتازون الوديان والجبال، ولم يكونوا يملكون حتى قوت يومهم، لكنهم كانوا يؤمنون بمبادئهم وقضيتهم الوطنية، ويسعون لتحقيقها دون كلل. كان هدفهم الأول القضاء على الجهل والفقر والمرض، والثأر القبلي، والتفرقة العنصرية. لقد كان لهم حضور قوي ومؤثر في تلك المرحلة، وحققوا نجاحات عظيمة برفقة رفاقهم الأوفياء، سواء الذين رحلوا أو الذين لا يزالون على قيد الحياة. أعتذر لهم عن عدم ذكر أسمائهم جميعًا، فهم كثر ومن مناطق مختلفة، وقد ضحوا بحق، وما نعيشه اليوم من ثمار إنجازاتهم فهو بفضلهم، بفضل هؤلاء الرجال الشرفاء. أما التحديات التي نواجهها اليوم من تغيير في المبادئ والأخلاق والقيم، فهي نتيجة لوجود أشخاص يضعون مصالحهم الشخصية فوق كل اعتبار. ومع ذلك، نحن متفائلون، ونرى الجانب الإيجابي المشرق من الحياة. فالمشكلات التي تواجهنا اليوم تُعدّ فرصة عظيمة لنتعلم منها، ونتفاداها في المستقبل، ونصبح أكثر وعيًا وإدراكًا لمصالحنا.