آخر تحديث :الجمعة - 20 ديسمبر 2024 - 09:52 م

كتابات واقلام


الثورات الكبرى في التاريخ الحديث..خواطر في الثورة السورية

الجمعة - 20 ديسمبر 2024 - الساعة 05:34 م

د.عارف الكلدي
بقلم: د.عارف الكلدي - ارشيف الكاتب


تعد الثورة الفرنسية التي استمرت أكثر من ثمانين سنة من أبرز تحولات البشر في التاريخ الحديث، فهي التي أنتجت فكرة أن السلطة حق للشعب وليس للفرد أو للطائفة أو للقبيلة.. ومن آثارها خرجت فكرة المواطنة المتساوية، والدستور والقوانين، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات، والعدالة في توزيع الثروة بين أفراد الشعب.

لم تبق أمة على هذه الأرض لم تتأثر بالثورة الفرنسية، ولكننا نجد أن كل أمة حية قد صبغت أفكار هذه الثورة بصبغتها الخاصة وشخصيتها المستقلة.
ومن أبرز الثورات التي تأثرت بالثورة الفرنسية:

- الثورة البريطانية: وقد نتج عنها الملكية الدستورية، وهو النموذج الذي فضلته كل البلدان الأوروبية ما عدا فرنسا.

الثورة الأمريكية: وقد مزجت بين الثورتين الفرنسية والبريطانية، فنتج عن هذا المزج أقوى دولة في العالم.

الثورة الروسية: التي بنيت على الأفكار الماركسية اللينينية، ومع أنها أفكار أثبتت فشلها إلا أنها تعكس استقلال الشخصية الروسية، والتي سرعان ما غيرت نموذجها بما يوافق بصمتها الخاصة، وشخصيتها المستقلة.

الثورة الصينية: وهي مزيج من الثورة الفرنسية والثورة الروسية، ولا تزال الصين تطورها باستمرار وفق شخصيتها الخاصة مستفيدة من الثورة الأمريكية وغيرها من التجارب.

الثورة الإيرانية: وهي شخصية إيرانية مستقلة عبارة عن مزج بين أفكار الثورة الفرنسية ونظرية الإمامة عند الشيعة الاثني عشرية مع الشخصية الفارسية التاريخية.

الثورة التركية: وهي الثورة التي حملت أفكار تحديث الدولة العثمانية بمعطيات الحضارة المعاصرة، وقد شهدت شدا وجذبا وهزائم وانتصارات تمخضت عنها مؤخرا الدولة التركية المعاصرة.

الثورة العربية: وهي ثورة قديمة متجددة، بدأت تتشكل بوادرها الحديثة مع الصراع الأوروبي التركي على بلاد العرب، وهي أطول الثورات وأكثرها تعثرا، وقد مرت بتجارب كثيرة..ولكن معالمها تتشكل الآن في بلاد الشام، فالذي يتأمل فيما يحصل في سوريا يلاحظ أن ثورتها تمزج كل التجارب البشرية.. فهي مزيج لما سبق الحديث عنه من أفكار الثورات المعاصرة مع الحضارة الإسلامية التي تكوّن بها كيان العرب وشخصيتهم التاريخية..مع استلهام الدروس والعبر من التجارب الفاشلة والناجحة.

الذي يتأمل ما يحصل في سوريا يدرك العبارات المهمة التي كان يقولها كبار الزعماء والمفكرين العالميين على مدى التاريخ من أن سوريا هي (قلب العالم) فنحن نرى الآن هذا القلب يضخ أفكارا تجديدية عالمية هي مزيج من كل ما سبق.
يبدو أن الشخصية العربية المعاصرة تنبثق من دمشق، أول عاصمة للعرب خارج جزيرتهم، وأقدم مدينة في التاريخ البشري امتزج فيها العرب بالعالم.