تواصل ميلشيات الحوثي دفن المئات من اليمنيين في قبور جماعية، تحت ذريعة "الجثث المجهولة"، وسط مخاوف متنامية من عمليات تعتيم وتضليل تخفي وراءها انتهاكات إنسانية جسيمة.
وخلال فترة لا تتعدى الأسبوع، أعلن الحوثيون دفن 126 "جثة مجهولة الهوية"، كانت محفوظة في ثلاجات مستشفيات الدولة، بمحافظتي صعدة والحديدة، شمال وغرب اليمن.
وتقول الميليشيا إن عملية دفن الجثث تتم "بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتحت إشراف النيابة العامة" الخاضعة لسيطرتها، طبقًا لما ذكرته وسائل إعلام حوثية.
وسبق أن دفنت ميليشيا الحوثي في العام 2020، نحو 715 جثة "مجهولة الهوية"، على مراحل متقطعة وفي محافظات مختلفة، زاعمة أن الجثث تعود لـ"مشردين ومجهولين وبعض ضحايا الحوادث المرورية والغارات الجوية".
وعلى الرغم من توقف الضربات الجوية والعمليات العسكرية في البلاد، وفق الهدنة الأممية التي انطلقت مطلع أبريل/ نيسان من العام 2022، فإن عمليات الدفن الجماعي التي ينفذها الحوثيون ظلت مستمرة خلال الأعوام التالية، لتصل إلى ما يقارب 500 جثة جديدة.
شكوك متصاعدة
ويرى رئيس منظمة "سام" الحقوقية اليمنية، توفيق الحميدي، أن هذه الإجراءات التي تتخذها ميليشيا الحوثي والسلطات القضائية التي تشرف عليها، "مثيرة للكثير من القلق والشكوك".
وذكر أن هذه الإجراءات "تأتي في ظل ظروف الحرب وفي غمرة الاتهامات الموجهة للحوثيين بتنفيذ عمليات إعدام بحق خصومها ومعارضيها".
وقال الحميدي في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن الإشكالية الكبرى تكمن في أن السلطات القضائية في مناطق سيطرة الحوثيين، "غير مستقلة، وتحولت إلى أداة من أدوات الحوثيين المستخدمة في الصراع، وأصبح القضاء منصة للإعدامات وفق محاكمات لا تتوفر فيها أدنى المعايير القانونية".
وأضاف أن عملية دفن هذه الأعداد الكبيرة من الجثث "تضع الكثير من علامات الاستفهام، في وقت تنعدم فيه الشفافية وتغيب المنظمات أو الهيئات المستقلة التي يمكن الركون إليها للاطمئنان إلى ما يقوم به الحوثيين من إجراءات".
وأكد أن الباب يبقى مفتوحًا أمام مختلف الاحتمالات، ما يدفعنا للمطالبة بتحقيقات جدّية وشفافة حول ما يحدث.
اتهامات حكومية
ولا تستبعد سلطات الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، وجود ضحايا مدنيين بين مئات الجثث المجهولة التي يدفنها الحوثيون باستمرار، في ظل التقارير التي تشير إلى مقتل 340 يمنيًا معتقلًا ومختطفًا تحت وطأة التعذيب، في سجون ميليشيا الحوثي.
وتزعم الميليشيا أنها تقوم بإجراءات الدفن "حسب المعايير المعتمدة محليًا ودوليًا، التي تشمل الفحص السريري وعمل التعريفات لخصائصها الوراثية والترقيم للقبور والصور".
من جهتها، أدانت منظمات حقوقية يمنية غير حكومية، مشاركة ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر في دفن مئات الجثث مجهولة الهوية.
وطالبت منظمة "إرادة" المحلية لمناهضة التعذيب والإخفاء القسري، بتحقيق دولي في عمليات الدفن الجماعي، التي قالت إنها "تساعد الجناة الحوثيين في الإفلات من العقاب".
أعداد كبيرة
وعبر المدير التنفيذي لـ"المركز الأمريكي للعدالة" لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، عبدالرحمن برمان، عن مخاوفه من أعداد الجثث الكبيرة التي وصلت في محافظة صعدة "الصغيرة" وحدها على سبيل المثال، إلى 60 جثة مجهولة، دفنت في مطلع الشهر الجاري.
وقال في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن هناك الكثير من المخفيين قسريًا ما زالوا في سجون الحوثيين وتحت رحمة المصير المجهول، "وهو ما يعزز المخاوف من وجود جثامين بعضهم ضمن هذه الأرقام التي يتم دفنها وسط غياب المعلومة الدقيقة".
وأكد أن عملية دفن الجثث المجهولة تكون طبيعية إذا ما نفذت في ظل أوضاع اعتيادية، ووفق سلسلة إجراءات قانونية دقيقة وطويلة، وتحت إشراف الدولة ومؤسساتها الرسمية، بداية بإعلان أسماء هؤلاء الأشخاص أو صورهم في وسائل الإعلام الرسمية المختلفة، ولأكثر من مرة وعلى فترات زمنية محددة.
وأضاف أن مكتب النائب العام والنيابة العامة في المحافظة يشرفان على مثل هذه العمليات التي يجب أن تسير على مراحل وإجراءات شفافة، وصولًا إلى عملية الدفن.