آخر تحديث :الأحد - 22 ديسمبر 2024 - 02:36 م

كتابات واقلام


حصانة سيادة الفساد

السبت - 30 ديسمبر 2023 - الساعة 11:51 م

سالم الفراص
بقلم: سالم الفراص - ارشيف الكاتب


ربما أصبحنا نحتل المرتبة الأولى من بين مجمل الدول التي ما يزال الفساد ينخر في مفاصلها ويتحكم في مصيرها. ويتجلى ذلك من خلال انفرادنا في ابتداع واختراع الكثير من الأساليب والطرق التي تدعم وتقوي انتشار سطوة الفساد وتضمن تسيده والبقاء في مأمن من أية تهديدات ومواجهات أو مساءلات قانونية أو أخلاقية أو ادبية يمكن عدم ان تودي به وتحد من توسعه واستفحال امره من ابرز هذه الاختراعات الخاصة بنا والهادفة إلى رفع درجة كفاءة الفساد ؛ هي اعتماد وتعميم سياسة . استقلالية مرافق ومؤسسات الدولة، وتكريس مبدأ فتح المجال واسعا امام التدخل في تسيير وتصريف شؤون هذه المؤسسات أو المرافق خدمية كانت أو اقتصادية او مالية أو سياسية التي يراد اغراقها بالفساد فيتحول القائمون على هذا المرفق أو هذه المؤسسة الى مجرد واجهة (اسمية ) تطبع اسماؤهم وتخط توقيعاتهم على اوراق صرف المعاشات واستصدار التظلمات والاوامر الادارية فقط، أما ما يتعلق بمهامها وانشطتها فإنها تدار وتسير من خارجها ومن قبل اكثر من جهة وطرف.
ليصبح بذلك الفساد حالة صعبة التتبع والرصد.

وعندما يطول ويستفحل عجز وغياب وتخلف نشاط ومهام هذه الجهات المعنية (اسميا ) فإنها سريعا ما تعلن للإعلام أو غيره مبررة عجزها وضعف ادائها برد بسيط وميسر من خلال القول إنها منزوعة الصلاحيات وان هناك جهات أخرى معلومة لها وغير معلومة هي من تتحكم بإدارة وتصريف مهامها بدلا عنها.

وإذا ما وجد القائمون على هذا المرفق تهديدا يمس بقاءهم في مراكزهم فإنهم يردون على اي سؤال يطالبهم بتحديد مكامن ضعفهم أو اشهار وتحديد الجهات التي تعيق نشاطهم وتصادر صلاحياتهم بالقول لا نعرف أو مازلنا نعمل على معرفة ما يجري.

وهكذا يستمر الفساد مستوراً وغير قابل للتحلل فوزارة الكهرباء ومدراؤها عندما يُسألون عن أسباب تردي خدماتهم يردون أنهم لا صلاحيات لهم فيما يجري وانهم لا يتحملون أوزار تردي خدماتهم لوجود جهات أخرى هي التي تتحمل المسؤولية.

وإذا ذهبت إلى وزارة المالية تسال عن تأخر صرف العلاوات السنوية وقضمها وصرف مستحقات الموظفين واسباب استمرار الفوارق الهائلة في توزيع الرواتب وتباينها من مرفق الى آخر فإن الجواب يأتيك قائلا لا نعرف وان الأمور لیست بیدنا.

والبنك المركزي هو الآخر لا يتردد عندما يُسأل عن الاسباب وهو يشكو من انعدام السيولة وعدم توريد أية مبالغ مالية من المرافق الإيرادية واستمرار صرف الرواتب بسلاسة يجيب بأنه لا يعرف من المتسبب بذلك وان هناك جهات أخرى عديدة هي من تقف وراء هذه الازمات. ونفس المشكلة تجدها في كل المرافق الأخرى من جمارك وصحة وتعليم ...الخ.

ومهما اجتهد المجتهدون هنا سنجد انهم لا يستطيعون تحديد مواضع الخلل والتسبب في تضخم الفساد.

وقديما كنا نقول إذا أردت إفشال اي عمل جاد شكل له لجانا أما اليوم فإن المثل السائر يقول إذا أردت أن تحمي الفساد فوسع دائرته وجهات رعايته وديمومة انتعاشه.