آخر تحديث :الأحد - 29 سبتمبر 2024 - 08:11 ص

كتابات واقلام


آل البيت بين النجديين واليمنيين

الإثنين - 24 يونيو 2024 - الساعة 06:23 م

د.عارف الكلدي
بقلم: د.عارف الكلدي - ارشيف الكاتب


تشغل مسألة الموقف من آل البيت نقاشا حادا متوترا في اليمن هذه السنين، بينما لا نجد هذا النقاش وهذا التوتر في نجد وبلاد السعودية عموما، وهنا أسجل خاطرة للتأمل:

الوهابيون في نجد -من وجهة نظري- يمثلون الموقف الأقرب إلى الصواب في هذه القضية، ولم يأتِ هذا الاستقرار عندهم في هذه القضية إلا بعد استقرار سياسي وحضاري أتى بعد مراحل طويلة من الصراع النجدي القرشي، ممتد منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى استقرار الرؤية الوهابية في هذه القضية المتوسطة بين غلو الشيعة والصوفية موالاةً من جهة، وغلو النواصب معاداةً من الجهة الأخرى.

عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كان رأي نجد هو التسليم لرسالة رسول الله، مع عدم التسليم لقريش في إدارة الدولة التي أسسها، ومن هذا السياق تُفَسَّر حركةُ الردة وحركة الخوارج، ثم انعزال نجد في صحرائها حوالي عشرة قرون.
عند التأمل في حركة الردّة لا نجدها كلها كفرًا بعد إسلام وإدعاءاتٍ للنبوة، بل تنوعت مظاهرها وتمثلت أحيانا في رفض دفع الزكاة إلى أبي بكر، مع المحافظة على الإسلام، وفي تلك المرحلة قال قائل:
أطعنا رسولَ اللهِ إذ كان بيننا** فيا لعبادِ الله ما لأبي بكر
أيورثُها بكرا إذا جاء بعده*** فتلك -وربِّ الدهر- قاصمةُ الظهر.
ومن هذا السياق تُفسَّرُ حركةُ الخوارج أيضا، إذ إنها في عمقها استمرارٌ للرفض النجدي لسلطة قريش، فإن نجدا بعد أن أخضعهم سيف خالد بن الوليد القرشي عادوا إلى الإيمان بعنف شديد، واستمروا في رفض سلطة قريش كما هو معروف عن الخوارج، وعلى هذا فإن قرارهم قتل علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص كان في عمقه الجمعي محاولة انقلاب نجدي على سلطة قريش المتنازعة.

وقد استمر هذا العقل النجدي الجمعي إلى أن برزت الحركة الوهابية ودولة آل سعود في القرن الثاني عشر الهجري، منطلقة من استقرارها السياسي، ومستفيدة من رؤية أهل السنة والجماعة في التعامل مع آل البيت التي ترفض الولاء المبالغ فيه من الشيعة والصوفية، وترفض في الوقت نفسه كراهية النواصب لآل البيت التي بدأت مع الصراع القرشي القرشي، بين بني هاشم وبني أمية.

أما اليمن فقد كان شأنُها آخر، فإنها لم تقاوم سلطة قريش، بل كانت لها مددا، وكان آل البيت القرشيون سواء من العلويين أو العباسيين يرون في اليمن قاعدة خلفية لهم، واستطاع العلويون على مدى التاريخ السيطرة الروحية على أهل اليمن، والذين يرصدون حركة التشيع يرون أن اليمنيين سواء الذين مكثوا في اليمن أو الذين انتقلوا إلى الأمصار الجديدة هم شيعة آل البيت، حتى الشافعية الصوفية منهم هم أتباع آل البيت من الصوفيين، ولآل البيت عليهم سلطة روحية غير مشروعة في دين الإسلام الحنيف.

واستمر هذا الأمر إلى أن جاءت الثورة والجمهورية التي ساوت بين الناس وغيّرت النظام الاجتماعي والسياسي، والتي تدهورت مؤخرا أمام المشروع الحوثي الذي يريد إعادة سلطة قريش وامتيازاتها، ولهذا برز التوتر وتأججت المشادات.

والخلاصة أن الحل لهذا التوتر ليس بتقرير عقيدة أهل السنة والجماعة باهتةً، بل تحتاج حلا حضاريا عميقا، وعدالة اجتماعية حقيقية، واستقرارا سياسيا واقتصاديا عادلا.
وبالمناسبة: الجمهورية سواء في الشمال أو في الجنوب أو بعد اتحادهما تبنت سياسة معتدلة مع آل البيت باعتبارهم مواطنين يمنيين، ولهم حق القرابة من رسول الله، ولم يكن في اليمن أثناء الحكم الجمهوري هذا التوتر الذي حصل بعد محاولة الحوثيين استعادة الإمامة ومتطلباتها السياسية والاجتماعية.