آخر تحديث :السبت - 21 ديسمبر 2024 - 07:26 م

كتابات


قراءة حول التسوية المرتقبة في اليمن على ضوء التسريبات

الثلاثاء - 10 يناير 2023 - 06:45 م بتوقيت عدن

قراءة حول التسوية المرتقبة في اليمن على ضوء التسريبات

كتب / د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

سألني صديقي عن رأيي في التسوية المرتقبة في ضوء التسريبات التي تتحدث عن وساطة عمانية ومقترحات هنا وهناك لتسوية سياسية تشارك فيها جميع الأطراف: السلطة (الشرعية)، المجلس الانتقالي الجنوبي، الحوثيون ودول التحالف العربي بقياة المملكة العربية السعودية.
قلت لصديقي أن المسألة تتوقف على مضمون ما يطرح من أفكار ومبادرات حول مكونات للتسوية فإن كانت هذه المبادرات والأفكار قابلة للتعاطي وتساعد على الخروج إلى تسوية سياسية تحقق مصالح جميع الأطراف وتنقل البلد إلى مرحلة السلم والاستقرار والبناء وحل جميع الإشكاليات وعلى رأسها القضية الجنوبية، فلا شك أن الكل سيكون معها ويتمنى لها النجاح إما إذا جاءت على طريق المبادرات السابقةـ مجتزأة أو ترقيعية أو على طريقة المحاصصة أو معالجة جزء وترك أجزاء من جذور المشكلة فلن يكون مصيرها إلا مصير سابقاتها.
ولأن كل حل لا بد أن يتناسب مع تناسب مشروعية المطالب وتوازن نقاط القوة فإن علينا أن نقيم مستوى القدرات التي يمتلكها كل طرف من أطراف التسوية، وما هي نقاط القوة والضعف لدى كل من هذه الأطراف.
* أهم عناصر قوة المؤسسة (الشرعية) هو التأييد الإقليمي والاعتراف الدولي، لكنها وعلى مدى ثماني سنوات فشلت في توظيف عنصر القوة هذا لتحقيق انتصارات على الصعيدين الميداني والخدمي، بل لقد حولت "الشرعيون" السابقون عنصر القوة هذا إلى مشروع استثماري فأثرى "الشرعيون" وانهارت "الشرعية"، والأكثر من هذا لقد فشلت هذه "الشرعية" في توفير خمس ساعات كهرباء متواصلة في عز الشتاء للمناطق المحررة -دعوكم من أزمات الصيف الخانقة- وأعدمت الخدمات أو كادت وحرمت موظفي الدولة من مستحقاتهم الشهرية التي يكفلها لهم القانون ولم تقم بأي مشروع اقتصادي يستوعب حتى عشر أيادي عاملة، وشيئا فشيئاً مكنت الحوثيين من احتلال حوالي نصف الجمهورية العربية اليمنية في عدة أسابيع فوق النصف الأول الذي كانوا قد احتلوه في العام 2015م بالتعاون مع قوات الرئيس السابق قبل فض الشراكة بينهما، أقصد هنا محافظتي الجوف ومأرب ومديريات شرقي صنعاء وشمالي البيضاء، ويبدو أن الشرعية الجديدة تسير على نفس الخطا فوضع الخدمات والوضع المعيشي لأبناء المحافظات المحررة هو نفسه ووضع الجبهات لا يعلم أسراره إلا الله والراسخون في مفاسد "الجيش الوطني".
* نقطة تفوق الحوثيين، بل نقاط تفوقه تتمثل في القدرة على التحشيد وجر الناس بالقوة القهرية إلى المعارك، وإجادة استخدام الدعم الإيراني ووجود أعوان أوفياء ومخلصين لهم داخل معسكر الشرعية وجيشها، والحوثي يجيد استثمار هذه النقاط بل وتوظيف نقاط ضعفه لاستخدامها في تعزيز مواقعه التفاوضية، لكن المشكلة الكبرى التي ستتحول إلى نقطة ضعف قالتلة عن الحوثيين هي رهانهم على الخرافة وادعاء الاصطفاء الإلاهي مغ الرهان على القوة المفرطة في إكراه الناس على القبول بهذا الادعاء.
* يكاد الطرف الجنوبي ممثلا بالمجلس الانتقالي الجنوبي ومعه شركاؤه الجنوبيين أن يكون صاحب أكبر عدد من نقاط القوة والتي تتمثل في عدالة قضيته ومشروعيتها والتفاف الجماهير الجنوبية حول المشروع الجنوبي، والقدرة على خوض المعارك العسكرية وحسمها لصالح قضيته، وهذا ما أثبتته مجريات المواجهات العسكرية منذ العام 2015م مروراً بالمواجهات مع تنظيمي القاعدة وداعش وشركائهم من المجاميع الإرهابية, لكن حصة المجلس الانتقالي من الدعم الدولي والإقليمي ما تزال متواضعة، واقتناع الشركاء الإقليميين والدوليين بعدالة القضية الجنوبية تقوم على التشكك التخوف والتردد، وما يزال الشركاء بحاجة إلى عمل مضني ومتواصل وصبور ليعلموا أن عدالة القضية الجنوبية تكمن في فشل فكرة الوحدة اليمنية نفسها بعد أن وئدت في عامها الثالث وتحولت من شراكة بين شعبين ودولتين إلى اجتياج أحدهما للآخر.
إن أية تسوية تقوم على إلغاء طرف من الأطراف أو الانتقاص من حقه الساسي في التعبير عن قاعدته الجماهيرية، أو أي تسوية تقوم على الترقيع وتجميع المتخاصمين في خلطة كتلك التي جرت مع المبادرة الخليجية أو في مؤتمر حوال صنعاء أو مع اتفاق الرياض أو مخرجات مشاورات الرياض، لن يكون مصيرها إلا مصير سابقاتها وهز الفضل والعودة إلى المواجهات من جديد.
وبالنسبة للقضية الجنوبية فإن أي انتقاص من حق الشعب الجنوبي في استعادة دولته بحدود 21 مايو 1990م لن يقابل من الجنوبيين إلآ بالرفض وهو ما يعني استمرار الأزمة السياسية وتصعيد المواجهات من جديد حتى لو تحالفت الأطراف الشمالية جميعها في الصراع ضد الجنوب والجنوبيين، لآن القرار في الأخير هو قرار الشعب الجنوبي ، وحل استعادة الدولتين الشمالية والجنوبية هو مصلحة للشعبين بقدر ما يمثل مصلحة خليجية وعربية ودولية، حيث إن العالم لم يعد منشغلا بالعواطف والتمنيات بقدر انشغاله بضمان الأمن والاستقرار وخدمة المصالح المشتركة بين الشعوب.