في الندوة التي نظمتها الإدارة العامة لتنمية المرأة صباح اليوم ، بعنوان "رفع مستوى الوعي للمرأة الإعلامية وايصالها لمواقع صنع القرار" بالتنسيق مع مكتب الإعلام بالعاصمة عدن، ضمن برنامجها السنوي وبمناسبة الثامن من مارس ، برعاية وزير الدولة احمد حامد لملس ، قدم الإعلامي والمحاضر بكلية الاعلام عبدالرحمن انيس ، ورقة عمل بعنوان : "معوقات تمكين الاعلاميات في عدن والجنوب " تنشر عدن تايم نصها لأهميتها :
بسم الله الرحمن الرحيم
ورقة عمل:
معوقات تمكين الاعلاميات في عدن والجنوب
إعداد / عبدالرحمن انيس
المقدمة:
لعدن خصوصا والجنوب عموما تاريخ عريق في ريادة الصحافة النسوية ، فقد احتضنت مدينة عدن صدور أول صحيفة نسائية تخصصية تعرفها اليمن والجزيرة العربية والمغرب العربي(1) ، عام 1960 وهي صحيفة (فتاة شمسان) التي ترأست تحريرها الراحلة ماهية نجيب ، فيما سبق ذلك انخراط النساء في العمل الإعلامي منذ الاربعينات ، والذي فتح المجال له صدور صحيفة (فتاة الجزيرة) علم 1939 التي شهدت صفحاتها مناقشات ساخنة في العديد من قضايا المراة آنذاك.
لقد ساندت صحيفة (فتاة الجزيرة) قضايا المرأة في عدن ، وطالبت بحقوقها ( التعليم ومنع الزواج المبكر وحقها في العمل والمشاركة السياسية) وبالمقابل كانت هناك صحف رفضت هذا الرأي وطالبت ببقاء الفتاة في المنزل وتعلم أمور المطبخ كصحيفة (( الذكرى )) لصاحبها ورئيس تحريرها الشيخ علي محمد باحميش ، الصادرة عام 1948م ، واستمرت المناظرات الكلامية بين الصحف المساندة لقضايا المرأة العدنية ممثله بالتيار التقدمي والصحف المعارضة لتحرير المرأة ممثله بالتيار المتشدد ورجال الدين (2).
في تلك المرحلة كانت جميع المطالبات بحقوق المرأة تتم عن طريق رجال متعاطفين معها ، أما المرحلة الثانية فهي بداية قيام المرأة العدنية بالتعبير عن نفسها وإنما بأسماء مستعارة كاستخدامهن أسماء:
(( بنت البلد – المحجبة – النملة – فتاة الجنوب – أم البنات )) بالإضافة إلى استعمالهن أسماء ذكورية حتى يتفادين الدخول في مشاكل مع التيار المتشدد في عدن ، حيث أتخذت النساء في عدن من هذه الأسماء طريقة مثلى في التعبير عن أرائهن والدفاع عن قضاياهن بأنفسهن وكتبن العديد من المقالات والقصص والأشعار ، كما تولت النساء في هذا المرحلة مهمة الاشراف وإعداد صفحة المرأة في بعض الصحف . مثل: السيدة ماهية محمد جرجره ــ الشهيرة بماهية نجيب ــ التي تولت الإعداد والاشراف على صفحة المرأة (ركن المرأة) في صحيفة (( اليقظة)) ــ صدرت في يناير عام 1956م ، وكانت تكتب تحت أسم مستعار هو (( بنت البلد )) حتى لا يعرفها أحد.(3)
وخطوة بخطوة كان اقتحام النساء للصحافة من أوسع أبوابها ، بعد أن ظهرت صحيفة نسائية تعني بشؤون المرأة والأســرة في عــدن الا وهي صحيفة (( فتاة شمسان)).
وقبل صدور الصحيفة شاع في أوساط المجتمع العدني أن امرأة تريد إصدار مجلة نسائية، فتحول الخبر إلى حديث الناس في المجالس ومحور نقاشاتهم، وانقسم الناس ما بين مؤيد ومعارض، حتى وصل الأمر إلى المساجد ، ومن منبر مسجد "العيدروس"، في حي "كريتر"، وفي خطبة الجمعة حذر الخطيب محمد سالم باحميش من خطورة وجود امرأة صحافية، وعدّ ذلك خروجاً عن الدين، وعن تقاليد المجتمع، وعبر عن استنكاره لمنح ماهية نجيب تصريحاً بإصدار مجلة نسائية، وختم الخطبة بتكفيرها، واتهامها بالإلحاد(4).!
وكان والدها – أيضاً- من المعارضين لها في إصدار مجلة نسائية، خوفاً عليها من نظرة المجتمع التي لا ترحم.
ومنذ صدور مجلة (فتاة شمسان) عام 1960م حتى توقفها عام 1966م ، وضعت قضية تعليم الفتاة العدنية والجنوبية في اولويات مهامها بل اعتبرتها من القضايا التي لا يمكن اسقاطها ، فعندما صدر العدد الأول من مجلة (فتاة شمسان) النسائية بتاريخ 1 يناير 1960م كان المستوى التعليمي والثقافي عند العديد من نساء عدن، قد وصل إلى مرحلة من التعرف على الثقافة العربية والغربية وبالذات الإنجليزية.(5)
وحتى بعد مرحلة الاستقلال الوطني في 30 من نوفمبر 1967م، والتي تمَّ فيها إيقاف جميع تراخيص الصحف وتحول الإعلام من إعلام منفتح إلى إعلام موَّجهٍ الى حد ما ، فقد صدرت مجلة (نساء اليمن) كمجلة تُعنى بشؤون المرأة والأسرة وصدر أول عدد منها في مارس عام 1975م (6) ، وكانت صحيفتا (14أكتوبر) و (صوت العمال) يفردان صفحات متخصصة للمراة ، كما طرحت الصحيفتان المواضيع والقضايا التي تهم المرأة بأقلام نسائية، كما كان للمرأة حضور في هاتين الصحيفتين من خلالعملها الصحفي التخصصي خاصة بعد تخرج عدد من الصحفيات المتخصصات في هذا المجال وعملن في الصحف بكتابة الأخبار والتحقيقات والتقارير وإدارة صفحات المرأة، فاتخذت قضايا المرأة في هذه المرحلة شكل جديد وهو المشاركة في بناء الوطن ورفع الوعي المجتمعي.(7)
واليوم بعد أعوام من ذلك المجد التليد ، نجد مكانة المراة في الاعلام المحلي ليست بمستوى الامتداد الطبيعي في مدينة شهدت صدور اول صحيفة نسوية قبل سبعين عاما ، وان وجدت مذيعات في الإذاعات وقنوات التلفزة المحلية ، او محررات في الصحف الورقية ، فحتى الان لا تزال المراة بعيدة عن تمكينها كقيادية في المؤسسات الإعلامية ، ولا زال طريقها الى حقل الاعلام محفوفا بالصعوبات والعراقيل.
المرأة في الاعلام اليمني :
تتواجد الاعلاميات في المؤسسات الاعلامية بنسبة قليلة جدا لا يتجاوز عددها 20 بالمئة مقارنة بالرجال حيث تعمل 60 بالمئة منهن في مجال الاعلام المرئي والمسموع و 40 بالمئة في مجال الصحافة المكتوبة، ويتركز تواجد الصحفيات في وكالة الانباء اليمنية سبأ وصحيفة 14 اكتوبر وفي كل من صحيفتي الثورة والجمهورية وهي مؤسسات تابعة للحكومة، كما تقل نسبة تواجد الاعلاميات العاملات في المواقع الالكترونية حيث بلغن 46 اعلامية بنسبة 5 بالمئة مقارنة بالرجال .(8)
واذا كانت مهنة الصحافة توصف بمهنة المتاعب ، جراء المعاناة التي يواجهها الصحفي ، فان الصحفيات في بلادنا بشكل خاص ، يواجهن مضايقات إضافية تعرقل جهودهن وتحول دون أدائهن لعملهن بشكل طبيعي، وتدفعهن في كثير من الأحيان إلى التخلي عن مهنة الصحافة من أجل تفادي التعرض لها.
كما تتعرض الصحافيات في بلادنا إلى الوصم والتشهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تستخدم كسلاح لمحاربتهن من قبل جميع أطراف النزاع تقريبًا في حالة انتقادهم ، وتعددت خلال السنوات الأخيرة حملات التشهير والإساءة إلى سمعة الصحافيات، والشتم والتلاعب بصورهن في حالات عدة، الأمر الذي دفعهن لمواجهة معركة جديدة (9)، في مجتمع لا يزال ينظر الى ان عرض المراة هو اسهل طريقة للنيل منها واسكاتها.
معوقات تمكين المرأة في الاعلام:
يقتصر عمل النساء في وسائل الاعلام في بلادنا ، على أدوار هامشية ، فيما يبقى الذكور مسيطرين على المشهد الإعلامي سواء كادارة اشرافية او تنفيذية ، ورغم ان عدد الخريجين سنويا من قسم الاعلام بجامعة عدن من النساء أكثر منه من الذكور ، فان غالبيتهن يتجهن بعد تخرجهن الى اعمال أخرى بعد ان يكتشفن ان الواقع في وسائل الاعلام المحلية لا يتسع لهن ولا يرحب بهن.
وحتى ان شبت امراة عن الطوق ، وحاولت التقدم بخطى ثابتة في الحقل الإعلامي ، فان الغاما معنوية مختلفة تنفجر بوجهها لكي ترغمها على العودة الى الخلف ، وفيما يلي ممكن ان نستعرض ابرز المعوقات التي تقف بين المراة وبين تمكينها في وسائل الاعلام المحلية:
1-نظرة المجتمع الذكوري التي لم تتفهم بعد ، أهمية عمل الكادر النسائي ، والتي ان سمحت بعمل المراة فتسمح به في مكاتب إدارية محدودة ، ولا تحبذ ان تطل المراة بوجهها على وسائل الاعلام مذيعة او محللة او قيادية او إدارية.
2-غياب الاهتمام بجانب التدريب والتاهيل للصحفيات ، فالمعروف ان مخرجات قسم الاعلام بجامعة عدن في مجملها نظرية ، ولا تمتلك إمكانيات كبيرة للتطبيق العملي ، الامر الذي يحتم على السلطات المحلية والمنظمات المدنية إيلاء اهتمام اكبر بتدريب وتاهيل المراة وتعزيز امكانياتها في القيادة الإعلامية ، فالدراسة النظرية في الكلية لا تكفي لتخريج امراة مؤهلة لقيادة العمل الإعلامي.
3-انهزام عائلات الاعلاميات امام حملات التشويه والإساءة التي تطالهن ، فقد توصلــت دراســة مســحية حــول "التنمــر الالكتروني ضــد الصحفيــات اليمنيــات" ، إلى أن 72% من عينة الدراسة ، تعرضنّ لنوع من أنواع التنمر الإلكتروني وبصورة متكررة ، بعض ها التنمر من قبل مجهولين، وبعضه من قبل زملاء العمل ، وجزء منه من قبل أحزاب وأطراف سياسية، حيث تصدر موقع "فيسبوك" قائمة أكثر التطبيقات التي تعرضت فيها الصحفيات المستهدفات للتنمر الإلكتروني بنسبة تجاوزت الـ 90% مقارنة ببقية التطبيقات.(10)
4-التحديات التي تفرضها طبيعة المهنة والحرب الخفية التي يمارسها زملاؤهن بدافع الكيد والمنافسة، وهو ما يؤثر سلبًا على استمرار الصحفيات في خوض غمار المنافسة.(11)
5-استغناء وسائل الإعلام عن توظيف النساء، بحجة أن المرأة لن تستطيع أن تغطي الأحداث.
6-تغييب المراة عن المراكز القيادية ليس في وسائل الاعلام فقط ، بل في مختلف المناصب الأخرى ، ولا ننس ان الحكومة اليمنية الحالية لا توجد فيها وزيرة واحدة.
7- تعامل بعض أصحاب العمل الصحفي سواء كانوا مؤسسات أو صحف مع الصحفية على أنها تقبل بالأجر الزهيد ، مما يضطرها إلى الاهتمام بجلب الإعلانات لتحسين الوضع المادي لها ، الأمر الذي يدخلها في تنافس قد يصل إلى الصدام فتكون ضحية كما حدث بالفعل مع بعض الزميلات .
8-عدم وجود قانون يحمي المراة من التحرش بالالفاظ او الفعل.
9-تحول العمل الإعلامي عمل من لا عمل له من الذكور ، الامر الذي أدى الى اكتظاظ الوسائل الإعلامية بممارسين للمهنة غير متخصصين فيها.
10-إمكانيات الرجل في التشبيك وتبادل المصالح مع غيره من الصحفيين في مقايل القات مثلا، الذي يصعب على النساء ارتيادها.
11-انصراف الصحافة النسائية من طرح ومعالجة هموم وقضايا المرأة، إلى أن يكون جُلّ اهتمامها بقضايا خطوط الموضة وأدوات التجميل والمطبخ، وبالطبع هذا لا يمكن تجاهله في شأن المرأة، لكن المشكلة تكمن في أنه أصبح يمثل المحتوى الكامل للمنتج الصحفي النسوي، ما أدى بطبيعة الحال إلى إهمال المواضيع الحساسة والرئيسة التي تشغل المرأة وواقعها واهتماماتها وهمومها ومشاكلها.
12-عدم تأقلم المراة مع الوضع الذي افرزته الحرب ، فطالما انه لا يسمح للنساء بالتواجد في مواقع القصف والجبهات ، كان يجب اتجاههن لاختيار مواضيع وفقا للظروف التي فرضت عليهن.
13-عجز المرأة الصحافية أحياناً عن الإبداع لانشغالها بالتفكير في عائلتها ، كما ان هناك بعض الفتيات يعملن في الصحافة حتى اذا تزوجت تركت المهنة.
14-مساهمة الإعلام نفسه في ظلم المرأة أحيانا، فحصر المرأة في مجال الازياء والتجميل، وتجاهل عقلها وفكرها ساهم في تكريس فكرة المجتمع بأن هذه هي اولويات اهتماماتها ، بينما لدينا من النساء المفكرات والاديبات والعالمات والطبيبات وسيدات الاعمال المتميزات، واللاتي تفوقن على الرجل في بعض المجالات.
توصيات:
1-العمل على تعزيز وعي المجتمع بأهمية دور المراة ، وضرورة تفهم عملها ودورها في المجال الإعلامي.
2-العمل على ابراز قصص نجاح الاعلاميات القياديات ، رغم شحتها ، وابرازها كنماذج للرجال والنساء معا.
3-إيلاء اهتمام اكبر بتدريب وتاهيل المراة وتعزيز امكانياتها في القيادة الإعلامية ، وتعزيز قدراتها على الصياغة الاحترافية للمواد الإعلامية.
4-توعية آباء الاعلاميات وحثهم على ضرورة الوقوف بجانب بناتهن في وجه أي حملة تنمر او ابتزاز.
5-تشريع قوانين صارمة تحمي المراة من التحرش والابتزاز.
الهوامش:
1-حليمة محمد بن محمد علي ، الصحافة وقضايا المرأة في عدن (1940م –1990م) ، دراسة ماجستير ، مركز المراة للبحوث والدراسات ، جامعة عدن ، 2012م
2- حليمة الحبابي ، تاريخ الصحافة النسائية في عدن ، مادة منشورة على موقع عدن الغد بتاريخ : 1 مايو 2012 ، على الرابط:
https://adengad.net/posts/10561
3- المصدر نفسه.
4- مسعود عمشوش ، ماهية نجيب رائدة الصحافة النسوية في عدن ، من مدونة الكاتب على شبكة الانترنت ، بتاريخ 14 فبراير 2018 ، على الرابط : https://amshoosh.wordpress.com/2018/02/24/%D9%85%D8%A7%D9%87%D9%8A%D8%A9-%D9%86%D8%AC%D9%8A%D8%A8-%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%AF/
5- نجمي عبدالمجيد ، أهمية الصحافة النسائية في تاريخ عدن الإعلامي ، مادة منشورة على موقع اخبار السعيدة بتاريخ 7 / 5 / 2013 ، على الرابط : http://www.felixnews.com/news-22106.html
6- حليمة محمد بن محمد ، مرجع سابق
7- نفس المرجع السابق
8- المرأة في الإعلام اليمني ، دراسة اعدتها الوكالة الفرنسية لتنمية الاعلام في العام 2021م.
9- تقرير نشره المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ، بعنوان "ليست مهنتك" ، بتاريخ 8 مارس 2023م
10-التنمر الالكتروني ضد الصحفيات اليمنيات ، دراسة حديثة لمرصد الحريات الإعلامية في اليمن ، نشرت بتاريخ 9 يناير 2023م
11-"واقع الإعلاميات اليمنيات.. تحديات في السلم والحرب" ، دراسة أعدها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي عام 2017