آخر تحديث :الأحد - 22 ديسمبر 2024 - 11:29 ص

كتابات


عشرون يوماً في عدن(3)

الجمعة - 13 سبتمبر 2024 - 05:46 م بتوقيت عدن

عشرون يوماً في عدن(3)

كتب / د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

مرَّت الأيام الأربعة الأولى في عدن تمكنت خلالها من زيارة الأهل والأحباب، والتنقل بين التواهي والمعلا وخور مكسر وكريتر.
زرت مقر المجلس الانتقالي فلم أجد إلا مدير مكتب رئيس المجلس الأخ عماد وسلمته نسختين من كتابين حديثي الإصدارلي والصادرين عن دار الشواهين بالقاهرة هما:
1. قضية شعب الجنوب . . .الموعود والمشهود.
2. اليمن ولعنة الثنائيات،
الكتابان مهدآن للأخ رئيس المجلس الذي كان مع العديد من قيادة المجلس خارج الوطن.
كما التقيت بصحبة ابني د. مراد الأخ سالم ثابت العولقي رئيس الهيئة الإعلامية الجنوبية، ودار بيننا حديثٌ مطولٌ حول المشهد السياسي على الساحة الجنوبية واليمنية، وما يدور من أحاديث عن التسوية المرتقبة تحت ما يسمى بــ"خارطة الطريق" كما أهديته نسخ من كتابي "القضية الجنوبية وإشكالية الهوية" الصادر في العام 2023م عن مؤسسة "يسطرون" بالقاهرة، ومثله كان اللقاء مع الأستاذ محمد أحمد الشقي القائم بأعمال الأمين العام للمجلس الانتقالي الجنوبي، ومحسن عبد سعيد نائب رئيس الدائرة التنظيمية بالمجلس، الذي زارني إلى منزل ابني مراد .
وتمكنت من المشاركة في ندوة اللغتين السقطرية والمهرية، التي دعا إليها فريق الحوار الوطني الجنوبي، وكانت لي فرصة اللقاء بالعديد من الزملاء الذين لم ألتقِ بعضهم منذ العام 2011م، ومنهم الإخوة علي الكثيري رئيس الجمعية الوطنية وفادي با عوم عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي والوزير سالم السقطري ، سالم سعدان ونزار هيثم عضوي هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الذين كانوا في منصة الفعالية، والتقيت عدداً من المثقفين الجنوبيين منهم الزملاء الدكتور مبارك سالمين رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين والدكتور جنيد محمد الجنيد رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الجنوبيين وعمر الإرياني رئيس الدائرة الثقافية في الأمانة العامة للمجلس الانتقالي الجنوبي، والصحفي عيدروس با حشوان رئيس نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، د. عبد الله الحو رئيس مركز التدريب والتأهيل التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي والباحث والإعلامي نجمي عبد المجيد، وأستاذ التاريخ رئيس مركز عدن للدراسات التاريخية الدكتور محمود السالمي، والباحث والمؤرخ د. نادر سعد بن حلبوب، والشاعر الأديب بدر العرابي، والدكتور سالم السلفي والدكتور مسعود عمشوش والباحث صالح الفردي، والباحث السياسي علي بن شنظور والصحفية القديرة الأستاذة نادرة عبد القدوس، وعشرات المشاركين في الندوة، وكانت فرصة ذهبية للاستماع إلى الآراء والتصورات المختلفة حول موضوع اللغتين المهرية والسقطرية كاثنتين من اللغات العربية الجنوبية.
* * *
من أجلها
نتقاسم الأشواق
نفترش الأماني
نستعيد الأغنيات
نعانق الآلام في شغفٍ
تصارعنا فنصرعها بإيمانٍ
ونلتحف المسار الصعب
نحتضن السنين . . .
. . . يا قِبلة البسطاء
أنت الحلم والآمال والأشواق
فيك الحب صاغ يراعهُ
فرحاً من الشبق المعتق بالحنين
أنت التي تروين في أرواحنا
الأحلام والآمال والإصرار
والأشواق والعزم المتين
سنخط رسمك في دمانا
شعلةً وضَّاءةً
وسنزرع اسمك في شذا الأرواح
شلالاً من البشرى
وبحراً من عبير الياسمين
* * *
وفي اليوم الثالث تمكنت من اللقاء بحميي العميد متقاعد محمد علي حسن القطوي النائب السابق لمدير الهجرة والجوازات ثم كبير محاسبي مؤسسة مصافي عدن والذي يعمل حالياً سائق مايكروباص (أجرة) وهو شخصية مثقفة ثقافة سياسية وفلسفية ودينية وقانونية واسعة لو جرت الاستفادة منه لشكل مرجعاً في الكثير من المواقف والإجراءات والسياسات التي يجري اتباعها في هذا البلد، وكانت فرصة للاستزادة من ينابيع أفكاره ونهر حكمته ومعارفه الغزيرة.
خلال الأيام الأربعة تجولت سيراً على الأقدام في العديد من الشوارع والطرقات والأماكن العامة، في عدن وركبت مع الناس وسائل النقل العمومي (الميكروباص) ، واستخدمت التاكسي، كما تنقلت بسيارات أولادي وصهري وتبضعت وتناولت الوجبات في المطاعم الشعبية، وتخاطبت مع العشرات من الناس منهم الباعة والمتسوقين ومرتادي المقاهي والمطاعم والأسواق، وقد تمكنت من رصد عددٍ من الملاحظات يمكن تلخيص أهمها في ما يلي:
1. رغم مصاعب الحياة في عدن وتعقيداتها وارتفاع تكاليفها تظل عدن موطناً للجمال والجاذبية الإنسانية، والشعور بالانتماء إلى عوالم المدينة والمدنية، وأيقونة الحب والأمان والتسامح والتآخي بين أبنائها وبناتها، ويمكن للمرء أن يتصور أنه وفي ظل اللادولة واللامؤسسية يظل أبناء وبنات عدن متعايشين متوازنين متكاتفين يتقبل بعضهم بعضاً بلا شحناء ولا بغضاء ولا توترات أو نزاعات، رغم وفرة كل عومل التوتر والمواجهة، وحينما تحدث بعض الحوادث المكدرة لصفو الحياة واستقرارها يطلع أبطالها إما من الوافدين والغرباء عن المدينة، أو من ذوي الحالات الشاذة التي لا يمكن أن تعبر عن عدن وأهلها زتراثها الأخلاقي والثقافي.
2. يمثل الوضع الأمني في المدينة والمحافظة مكسباً كبيراً من حيث التقدم الملحوظ الذي قطعته الأجهزة الأمنية في مجالات اهتاماتها الثلاثة: تثبيت الأمن والاستقرار، محاربة الجريمة بمختلف أشكالها ( جرائم الاعتداء وجرائم التهريب، وجرائم المخدرات) فضلاً عن قضايا المنازعات الشخصية، محاربة الإرهاب واكتشاف الجرائم الإرهابية قبل وقوعها، وضبط جماعات التخريب والتجسس والعبث الأمني والسياسي، وهذا التقدم يمكن تسجيلة كنقطة تفوق لصالح الأجهزة الأمنية في عدن والمحافظات المجاورة.
3. الغلاء الفاحش الذي يكتسح كل متطلبات الحياة المعيشية والاستهلاكية والخدمية، وهذا الغلاء يتناسب عكسياً مع مستوى دخل الناس الذي يصل في كثير من الحالات إلى الصفر، وقال لي أحد الموظفين متوسطي الدخل وهو مدير مدرسة ثانوية سابق : استملت راتبي الشهري لشهر سابق (مائة ألف ريال يمني) واتجهت إلى متجر بيع المواد الغذائية فاشتريت كيس رز بمائة وخمسة آلاف ريال يمني، أضفت فوق راتبي خمسة آلاف ريال، وعدت به إلى المنزل، وتنبغي ملاحظة أنه
أ‌. ليس كل الموظفين يستلمون مائة ألف، فهناك من يستلم خمسين وأربعين بل وثلاثين ألفاً من الريالات، التي يسميها البعض، ريالات بن دغر، نسبة إلى الطبعة الجديدة التي تمت أثناء تولي الدكتور أحمد بن دغر رئاسة الحكومة، وهي التذكار الوحيد الذي يتذكر به الناس الرجل.
ب‌. ليس كل الشعب موظفين فالغالبية العظمى لا يتقاضون أية مداخيل لا من الحكومة ولا من أي مصدر آخر.
وأعترف أن معظم الوجبات التي تناولناها أنا وأسرتي كانت في منازل الأهل ولذلك لم نشعر بمستوى تكاليف الوجبة الغذائية، لكنني حينما قررت أن أتناول وجبة متوسطة في أحد المطاعم، كانت الفاتورة أكثر من أربعين ألف ريال يمني، وتوقعت أن أحداً لا يمكن أن يتناول وجبته في أي مطعم، لكن الغرابة تكمن في أن عشرات ومئات وآلاف الناس يرتادون المطاعم ويتناولون وجبات غذائية ربما أثمن من تلك التي تناولتها مع أفراد أسرتي.
هذه الملاحظة تلخص لنا قضية في غاية الأهمية والخطورة فحوارها إن المجتمع يشهد انقساماً رأسياً حاداً واستقطاباً واسعاً بين طبقات اجتماعية غنية (بالوراثة أو طفيلية طارئة) تستطيع مواكبة المتغيرات العاصفة في الحياة المعيشية وربما تستفيد من صناعتها وتبلورها، وطبقات اجتماعية تذهب إلى الأدنى باتجاه الفقر المدقع والمجاعة المطلقة، حيث تعرفت على أناس وعائلات اختصروا وجباتهم الثلاث إلى وجبتين هما الإفطار والعشاء، واختصروا نوعية الغذاء إلى الخبز والشاي، وبعضهم يمارس ترف شرب الحليب أو تعاطي وجبة أسبوعية أو شهرية من البيض، وهذه الطبقة لاجتماعية هي الغالبية العظمى من أفراد المجتمع وهي تتجه نحو الاتساع والانتشار نظراً لانتقال الكثيرين من مستوى ما يسمى بالطبقة الوسطى (جماعة الموظفين الحكوميين والمهنيين والعمال المهرة) إلى الطبقات الفقيرة والمعدمة، وهي ظاهرة متوقعة في ظل الانهيار الاقتصادي واتساع دائرة التضخم وانهيار سعر الريال اليمني الذي قارب فيه سعر الدولار الأمريكي الألفي ريال يمني، بحيث يغدو مرتب الموظف الذي يتقاضى مائة ألف ما يساوي خمسين دولاراً شهرياً فماذا عمن لا يتقاضى أي مرتب وليس له دخلٌ ثابتٌ!؟
4. من خلال التجوال بين مناطق عدن المختلفة وحتى بين عدن ومحافظتي لحج وأبين يمكن ملاحظة عشرات النقاط الأمنية التابعة لجهات أمنية مختلفة: أمن محافظة عدن، الحزام الأمني، قوات العاصفة، قوات العمالقة، القوات الخاصة، الحرس الرئاسي، وغالبا يغيب التنسيق بين هذه القوات مع بعضها، وشخصياً شعرت أن الكثير من النقاط هي زائدة عن الحاجة، وهي لا تضيف شيئاً ذا قيمة إلى حاجة الأمن والأمان بقدر ما تمثل أعباء إضافية على حركة المرور وتمثل مصدر إزعاج أكثر منه مصدر أمان وطمأنينة للمواطنين المستخدمين للمركبات ووسائل النقل.
وللحديث بقية