علوّ صوت الحوثيين بالتهديد والوعيد لإسرائيل بعد ضرباتها المركّزة على منشآت حيوية في مناطق سيطرتهم، لا يعني عدم وعيهم بالخطر الكبير المحدق بهم والذي يمثّل تهاوي حلفائهم في المنطقة وتراجع نفوذ داعمتهم الأساسية إيران مقدمة له ومؤشّرا على اقترابه منهم، ما يجعلهم في حيرة اختيار بين حماية سلطتهم من الانهيار أو التمادي في "دعم غزّة" الذي يتخذون منه أساسا لدعايتهم السياسية.
صنعاء- وضع القصف الإسرائيلي المركّز على منشآت حيوية في مناطق سيطرة الحوثيين الجماعة الموالية لإيران أمام خيار صعب بين التهدئة والتراجع عن استهداف مناطق في الداخل الإسرائيلي بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة بما يعنيه ذلك من تراجع عما يقولون إنه دعم لقطاع غزّة وإسناد لحركة حماس التي تشاركهم الانتماء إلى ما يعرف بمحور المقاومة، أو الدخول في حرب غير متكافئة مع إسرائيل من شأنها أن تقوّض سلطتهم في مناطق سيطرتهم.
ولا تنفي مواصلة الحوثيين لوعيدهم لإسرائيل بعد القصف الذي طال مواقع ومنشآت في صنعاء وأخرى على ساحل البحر الأحمر غربي اليمن إدراكهم للخطر المحدق بهم بفعل التقلّبات العاصفة التي شهدتها المنطقة وتلخّصت على وجه الخصوص في تهاوي أبرز ركن في محورهم حزب الله اللبناني وسقوط نظام آل الأسد في سوريا وانحسار نفوذ حليفتهم وداعمتهم إيران.
وتجلّى وعي الجماعة بتلك المخاطر في مرونة خطابها إزاء خصومها الداخليين وداعميها الإقليميين من خلال موافقتها على حلحلة ملف الأسرى مع السلطة الشرعية اليمنية وعرضها التوقيع الفوري على خارطة الطريق التي سهرت الأمم المتحدة على وضعها بالتعاون مع المملكة العربية السعودية كمدخل لإطلاق مسار سلمي لإنهاء الصراع اليمني.
ويؤشّر شروع إسرائيل في تدمير البنى التحتية بشمال وغرب اليمن واستهدافها للمنافذ البحرية بتلك المناطق، بالتوازي مع شروع الطيران الأميركي والبريطاني في استهداف منشآت للقيادة والسيطرة يديرها الحوثيون في صنعاء، على أنّ الوقت قد تأخّر بالنسبة للجماعة التي أتيحت لها خلال الفترة الأخيرة فرص كثيرة للدخول في عملية سلام باليمن بدا أنّ الأطراف التي عرضتها غير معترضة على حفاظ الحوثيين على قدر هام من مكتسباتهم التي حققوها خلال سنوات الحرب التي بدأوها قبل عشر سنوات.
وراجت خلال الأيام الأخيرة تقارير إعلامية بشأن وجود حالة من الإجماع بين غالبية القوى المتدخلة في الملف اليمني بشأن فوات الأوان على تطبيق خارطة الطريق وعدم واقعية المضي في السعي إلى توقيعها وتنفيذ ما تنصّ عليه.
وشنت إسرائيل ضربات على ميناءين وبنية تحتية للطاقة في مناطق يسيطر عليها الحوثيون في اليمن خلال الساعات الأولى من صباح الخميس، وتوعدت بشن المزيد من الهجمات على الجماعة اليمنية التي أطلقت المئات من الصواريخ عليها على مدى العام الماضي.
وفي الوقت الذي حلقت فيه الطائرات الإسرائيلية، قال الجيش الإسرائيلي إنه اعترض صاروخا كان متجها إلى وسط إسرائيل لكن ما وصفه متحدث عسكري بأنه شظايا متساقطة من الصاروخ ألحقت أضرارا بمبنى مدرسة في بلدة رمت عفال.
وقال المتحدث العسكري اللفتنانت كولونيل نداف شوشاني للصحافيين إن إسرائيل شنت الهجوم باستخدام أربع عشرة مقاتلة وطائرات أخرى على دفعتين، ضربت الدفعة الأولى ميناءي الصليف ورأس عيسى فيما ضربت الثانية العاصمة صنعاء.
وأضاف “قمنا باستعدادات مكثفة لهاتين العمليتين مع بذل جهود لتدقيق معلومات المخابرات وتحسين نتيجة الضربات.”
وذكرت قناة المسيرة التلفزيونية التابعة للحوثيين أن ضربات جوية إسرائيلية قتلت تسعة أشخاص، سبعة منهم في الصليف واثنان في منشأة رأس عيسى النفطية. ويقع الميناء والمنشأة في محافظة الحديدة بغرب اليمن.
وأضافت أن الغارات استهدفت أيضا محطتين مركزيتين للكهرباء جنوبي وشمالي العاصمة صنعاء مما أسفر عن انقطاع الكهرباء عن الآلاف من العائلات وفقا لما ذكرته القناة ذاتها.
ويأتي الهجوم الإسرائيلي بعد ضربة شنتها طائرات أميركية الاثنين على منشأة للقيادة والسيطرة يديرها الحوثيون الذين يسيطرون على أجزاء كبيرة من اليمن.
وقال الحوثيون إنهم استهدفوا مدينة تل أبيب الإسرائيلية في نفس الليلة بصاروخين باليستيين استهدفا “هدفين عسكريين نوعيين وحساسين للعدو الإسرائيلي.”
ويطلق الحوثيون المتحالفون مع إيران طائرات مسيرة وصواريخ باتجاه إسرائيل، كما يشنون هجمات على سفن في ممر الشحن البحري الدولي قرب اليمن منذ نوفمبر من العام الماضي ويقولون إن ذلك تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة. كما توعدوا بالرد على الهجمات الإسرائيلية.
ويرى محلّلو الشؤون العسكرية أنّ تصرّف الحوثيين لا يخلو من مقامرة كبرى تتمثّل في إمكانية تعرّض مناطقهم وبناهم التحتية العسكرية والمدنية على حدّ سواء لردّ قاس من قبل إسرائيل التي أظهرت قيادتها حزما وإصرارا على مواجهة أعدائها في المنطقة، ما جعلها تتجاهل جميع الوساطات والدعوات للتهدئة من قبل أكبر حلفاء تل أبيب الدوليين وعلى رأسهم الولايات المتّحدة.
ويذكّر هؤلاء بأنّ القوة الضاربة لسلاح الجو تمنح إسرائيل ميزة حربية فريدة في المنطقة تصل حدّ قدرتها على تسيّد الأجواء والهيمنة عليها بشكل كامل.
وحذّروا من القدرة الإسرائيلية على الضرب في أي مكان باليمن دون أن يكون بحوزة الحوثيين الوسائل الفعّالة والدفاعات اللازمة لحماية منشآتهم الحيوية ومقرات قيادتهم في الحديدة وصنعاء وصولا إلى صعدة بشمال البلاد.
ويحمل تركيز إسرائيل على الموانئ في ردّها على الحوثيين إنذارا شديد اللهجة للجماعة المسيطرة على أجزاء واسعة من الأراضي اليمنية، بأن العصب الحيوي لتلك المناطق هدف مكشوف للطيران الحربي الإسرائيلي، وأنّ أي تصعيد قادم من قبل الحوثيين المرتبطين بإيران سيكلفهم خسارة آخر منافذ لهم على العالم الخارجي وأبرز مصادر الحياة والاستمرار للسلطة التي يديرونها.
ومن دون ميناء مثل ميناء الحديدة المقام على ساحل البحر الأحمر وباقي الشريط الساحلي الغربي لليمن، تفقد مناطق سيطرة الحوثيين الكثير من قيمتها وتتحول إلى مناطق داخلية يسهل على خصوم الجماعة حصارها وعزلها وحرمانها من الإمداد بشتى أنواع السلع والمواد الأساسية، إلى جانب السلاح والذخائر التي يأتي جزء منها مهرّبا من إيران ويتمّ إدخاله عبر تلك المناطق.
وفي ظل افتقار الحوثيين لنظام دفاع جوي فعّال يمكن لأسرائيل أن تفرض هيمنة على أجواء مناطق الحوثي وأن يدمّر طيرانها مرافقهم الحيوية بما في ذلك ميناء الحديدة والمنشآت المرتبطة به وأن يشل الحركة في منطقة شاسعة محيطة به.
وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع في خطاب بثه التلفزيون “العدوان الإسرائيلي لن يثني اليمن واليمنيين عن تأدية الواجب الديني والأخلاقي في الرد على مجازره في قطاع غزة، وكذلك الرد على هذا العدوان الغاشم وذلك باستمرار الإسناد وضرب كافة الأهداف المعادية بالأسلحة المناسبة.”
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن إسرائيل ستستمر في الرد على هجمات الحوثيين. وكتب على موقع إكس “أحذر قادة منظمة الحوثي الإرهابية: يد إسرائيل الطويلة ستصل إليكم أيضا، من يرفع يده ضد دولة إسرائيل، ستُقطع، ومن يؤذيها سيرد له الأذى مضاعفا سبعة أضعاف.”
وتمكّنت إسرائيل في سبتمبر الماضي من قتل الزعيم التاريخي لحزب الله اللبناني حسن نصرالله وعدد آخر من قيادات الحزب كان يعتقد في السابق أن الوصول إليهم أمر بالغ الصعوبة نظرا للإجراءات الأمنية المشددة التي كانت تحاط بها قيادة الحزب.
واعتبرت إسرائيل أنّ ذلك يمثّل إنذارا لجميع قيادات الجهات المعادية لها، وهو ما ينطبق أيضا على قيادة جماعة أنصار الله الحوثية التي يأتي على رأسها عبدالملك الحوثي الذي يتوقّع أنّه واقع على رادار الاستهداف الإسرائيلي.