في العشر السنوات الأخيرة من تاريخ لحج المعاصر .. وكونها محافظة محورية من المحافظات المحررة من قوات مليشيا الحوثي .. بانت جهود المرأة اللحجية للعيان وبشكل برّاق للغاية .. لا سيما في الجانب القيادي .
فكثير من المؤسسات الخاصة ، و عدد كبير من منظمات المجتمع المدني استفادت من خبرات معلمات لحج البارزات ..حيث أن المؤسسة التربوية اللحجية وبما تمتلكه من مخزون منظم من خبرات تعليمية وقيادية متراكمة ، أهّلها لتكون على منبر القول والفعل الحيويين في هذه الفترة .
من خلال نظرة شاملة وثاقبة في آنٍ واحد .. نجد أن من أمسكوا بلجام فرس الوطن الجامح ، وقدنه إلى مسار مستقر ..كُنّ في الأصل معلمات ..فمعظم القيادات النسوية والمؤسسية في لحج اليوم ..أقولها وبفخر ..معلمات وأكاديميات بارزات..
إنّ المعلم ياسادة ليس مجرد موظف حكومي يدور في فلك الروتين اليومي، لينال حفنة من المال نظير جهده طوال شهر من العمل الشاق ..بل هو مايسترو لأوركسترا وطنية و إجتماعية ..قد تشذ عنها أصوات الغوغائيين في كل مرحلة ..إلا أنّ صداها يظل عالقا في الوجدان ..مشكلا وعيا، ومنشدا حكمة، ومسطّرا قوانين بليغة بها تُبنى قواعد الإستمرار ..
فقد كان لي شرف التواجد في تجمع ( تواصلي ) عام مفتوح ..أقيم في حوطتنا المحروسة ..ضمّ نُخبة من أصحاب الرأي المحترف ..ممن يمثلون ما يجول في خلجات الناس هنا ..وقد كان من أبرز المتحدثين على الملأ بحرفية ورصانة منقطعة النظير ..كوادر نسائية فذّة .. سواء في الطرح ، أو قوّة الحُجّة ..أو البلاغة والفصاحة والصوت النافذ المسموع ..لسبب غاية في الأهمية لم يدركه الجميع ..وهو كونهنّ أساسا معلّمات ..خريجات المؤسسة التربوية المدنية اللحجية ..
إنّ الوقوف أمام تلك الأفئدة الغضّة التي نُعلّمها يوميا كيف تشعر ..كيف تفكر ..كيف تعمل ..كيف تبني .. كيف تتحدث ..قد صقلنا كمعلمين حتى بتنا قادة من حيث ندري أو لا ندري ..قادة نُبلاء .. تختفي في دواخلنا أسرار الخير و تتوق إلى البوح في ربوع هذا الوطن المحمومة عشوائيه بفعل السياسة المقيتة..
بالإضافة إلى كثير ممن يشغلون أدوارا قيادية بارزة كالأئمة وخطباء المساجد وبعض القادة الأمنيين والعسكريين ، وإعلاميين مرموقين.. من أقلام لامعة،و كصحفيين وإخباريين، وكتّاب وأدباء ، ..كثير من هذه الثُّلة المؤثرة هم بالأصل معلّمين ..لقد كان اكتشافا رائعا ومُبهجا بالنسبة لي .. قادني لأوجه كلمة شكر لهذه الهامات الإبداعية من معلمين ومعلمات، لعدم استسلامهم لوهن الحكومة في تعاطيها غير الأخلاقي مع المعلمين بصفة عامة ..حين تركتهم يواجهون شظف العيش وحدهم ..مما دفع الأجيال الصاعدة إلى العزوف عن الإلتحاق بكليات التربية في جامعة لحج ..بل وتغيير مسمياتها !!
*( ياليت قومي يعلمون )*
هل تعلمون أي جُرمٍ ترتكبون بحق هذا الوطن بتجفيفكم لمنابع الإتزان والإلتزام فينا كشعب ..عندما عاديتم المعلم !
كيف لكم الإستمرار على كراسيكم هكذا بلا إدراك بحجم الكارثة التي أسستم لها عندما أقصيتم التعليم من خططكم الإستراتيجية ؟! ...
إنّ استعانة المؤسسات الناشئة في العمل المجتمعي أو الإعلامي أو حتى السياسي ، بمعلمات ..يُحسب لهم وبشدة ..كون معلماتنا القائدات زرْعٌ يانع ومستوٍ ( يُؤتي أُكُله كل حين ) ..فمهارة القيادة المتأصلة والمُكتسبة بواقع العمل التربوي المشحوذ ..قد لاحت وتسابقت إليها مكاتب ( التنمية المستدامة ) البديلة عن استدامة الدولة الغائبة ! والتي كُنّ جزءا منها نشأنَ وكبرنَ فيها ..حتى أصبحنَ هكذا .._مُلهِمات_ .
لكن ..و في نهاية كل سطرٍ تكمن ألف لكن ! ..
من أين للحج بخليفات قائدات بنفس هذا المستوى القيادي الرصين .._بعد طول عمر_ إن شاء الله لهذه الكوكبة الأخيرة من خُلاصة العمل في السلك التربوي والإداري التعليمي ! مع كامل الإحترام لما تقوم به معاهد - صنع القادة - ذات التوجهات الخاصة ، ودورات التأهيل هنا وهناك لعدد من ( المتحمسين ) ! .. لكن هل بنفس تأثير المعلم القيادي ..المُعد..واسع المنطق والبرهان ..؟؟
هل بنفس قوّة وسعة أفق المعلم القيادي ..هل بنفس نظرة المعلم القيادي الشاملة ؟! ، أم هل بنفس مسؤوليته الكبيرة تجاه المجتمع وبالتالي تجاه المستقبل والبناء ؟!
لقد أنقذت لحج نفسها الآن بخلاصة الخلاصة والبقيّة الباقية من كوادرها التربوية ..؟ ماذا عن الغد الذاهبة إليه بدون معلمين مؤهلين كهؤلاء ..خصوصا بعد اكتفاء كليات التربية بأعداد ملتحقين محدودة، وبعدد أصابع اليد الواحدة حرفيا وليس رمزيا !!
من سيقف على تلك المنابر القيادية بعد عشر أو عشرين سنة من الآن ..مخاطبا وموجها ..وقائدا إلى سواء السبيل... ؟
برغم كل ما يعانيه المعلم الآن إلّا أننا نعيش فترة ذهبية مقارنةً بما هو قادم ( بدون المعلم ) ..والتي أتمنى كباقي الحريصين على الوطن ..أن تستمر أكبر فترة ممكنة ..بعون الله، ثم بالصمود الأسطوري لمعلمينا ومعلماتنا وإداريينا ...
إنّني كمعلمة ..أوجه تحيّة لكنّ أيتها القائدات النبيلات ..أينما وُجدتنّ ..ثقوا أنكن تلتقفون الوطن من أن يسقط بلا وقوف مرة أخرى، ..وفقكن الله ودمتنّ ذخرا وسندا .