يرى خبراء ومحللون أن العقوبات الأمريكية المتواصلة على ميليشيا الحوثي، مؤشر على مضي واشنطن في إستراتيجيتها الجديدة، الهادفة إلى تحييد خطر الحوثيين المتنامي إقليميا ودوليا، عبر خنقهم اقتصاديا، تمهيدا لخطوات عسكرية قادمة.
وأدرجت وزارة الخزانة الأمريكية، الخميس الماضي، 12 كيانا وفردا تابعا للحوثيين، بينهم محافظ البنك المركزي في صنعاء، هاشم المداني، في لائحة العقوبات، بتهمة مساعدة الميليشيا في "الحصول على مكونات لتطوير الأسلحة وتوليد الإيرادات، لدعم أنشطتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار".
وأكد وكيل الوزارة الأمريكية، برادلي تي سميث، أن الإجراء "يؤكد التزامنا بتسخير أدواتنا كلها لتعطيل جهود الحوثيين في الحصول على الأسلحة، وشراء المكونات ذات الاستخدام المزدوج، وتأمين إيرادات إضافية".
وفي ظل عدم نجاعة ضرباتها الوقائية منذ قرابة العام، في إيقاف هجمات ميليشيا الحوثي البحرية على السفن التجارية، لجأت واشنطن إلى إستراتيجيتها الجديدة، المعتمدة على وقف نمو قدرات الحوثيين العسكرية، من خلال وقف منابع التمويل المالي، تزامنا مع تحركاتها الهادفة إلى زيادة توسيع صلاحيات الأمم المتحدة في اعتراض وتفتيش السفن المتجهة إلى ميناء الحديدة، لمنع وصول الأسلحة.
خريطة المواجهة
ويعتقد مستشار رئيس الحكومة اليمنية السابق، سام الغباري، أن الإجراءات الأمريكية التي شملت رئيس فرع البنك المركزي في صنعاء، تحمل إشارة واضحة على توجه واشنطن نحو خيار مواجهة الحوثيين، بداية من خنقهم اقتصاديا، وتجفيف مصادر تمويلهم المعتمدة على تجارة الأسلحة وغسيل الأموال وبيع النفط الإيراني.
وأشار في حديث لـ"إرم نيوز"، إلى أن القرار الأمريكي يعيد رسم خارطة المواجهة، وينذر بما هو أوسع وأشد تأثيرا على الميليشيا الحوثية، في ظل استمرار تهديداتها للملاحة الدولية، وأضرارها الممتدة إلى دول الجوار والتجارة العالمية.
وأضاف الغباري أن المجتمع الدولي مطالب بعدم الوقوف متفرجا، إذ ينبغي مواجهة دائرة الحوثيين، بعقوبات تطوق قياداتهم العسكرية والسياسية والمالية والإعلامية، من الجهات كلها، وتصنيفهم جماعة إرهابية عالمية، وفتح أبواب المحاكم الدولية لملاحقة قادة الحرب.
ورحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، بقرار وزارة الخزانة الأمريكية، واعتبرته تأكيدا على جدية ومصداقية واشنطن "في مكافحة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله، وممارسة ضغوط حقيقية على ميليشيا الحوثي لإجبارها على التخلي عن نهجها الإرهابي المزعزع للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، والانخراط بشكل جاد في جهود إنهاء الحرب وإحلال السلام".
وشدد وزير الإعلام والسياحة والثقافة، معمر الإرياني، في تدوينة على منصة "إكس"، على أهمية استمرار وتوسيع هذه العقوبات، لتشمل مزيدا من الأفراد والكيانات المرتبطة بالحوثيين، داخليا وخارجيا، وصولا إلى شبكات التمويل والدعم التي تغذي "هذا الكيان الإرهابي كافة".
إستراتيجية واسعة
وكان قائد الأسطول الأمريكي الخامس، الأدميرال داريل كويل، أكد أن منع تدفق الأسلحة المختلفة من إيران إلى الحوثيين "هو المفتاح للحفاظ على أمن باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر، للشحن التجاري".
وأشار كويل، خلال فعالية لرابطة البحرية الأمريكية، الخميس الماضي، إلى قدوم مرتقب لقوات البحرية الفرنسية والبريطانية إلى "ما كان يعرف بأحد أكثر الممرات البحرية ازدحاما".
وقال الخبير الاقتصادي، وحيد الفودعي، إن هاشم المداني لعب دورا محوريا في التلاعب بالنظام المصرفي اليمني لتعزيز مصالح ميليشيا الحوثي وتمويل مجهودها الحربي، مستغلا منصبه بشكل غير قانوني، ومنتحلا صفة محافظ البنك المركزي اليمني.
وبين أن إدراجه على لائحة العقوبات الأمريكية "يعكس التزام المجتمع الدولي بمواجهة التدخلات الإيرانية وأذرعها في المنطقة، ويضع مزيدا من الضغوط على قيادات الحوثيين، التي تساهم في تقويض جهود السلام المحلية"، طبقا لما أورده في تدوينة على موقع "فيسبوك".
وذكر أن الخطوة الأمريكية، ليست مجرد إجراء عقابي، "بل جزء من إستراتيجية أوسع، تهدف إلى شلّ الموارد المالية للجماعة الحوثية، ومحاسبة من يسهم في استمرار الحرب والدمار في اليمن".
انعكاسات محلية
وفيما يتعلق بتأثير القرار الأمريكي على القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين، يشير الفودعي إلى أنها متعددة الأبعاد، في ظل الضغوط المعقدة التي تواجهها البنوك التجارية والمصارف العاملة في صنعاء، نتيجة الانقسام السياسي والاقتصادي.
وأضاف أن عقوبات واشنطن، "تؤدي إلى تعميق العزلة الدولية التي تعانيها البنوك والمصارف في صنعاء، وقد تجعلها عرضة للاشتباه في حال تعاملها المالي مع الأفراد أو الكيانات المدرجة على لائحة العقوبات".
وأكد أن تعاون البنوك مع البنك المركزي في صنعاء "المتهم بالضلوع في أنشطة غير مشروعة"، قد يجعلها عرضة للتدقيق الدولي، وخطر فقدان ارتباطها بالنظام المصرفي الدولي، فضلا عن الإجراءات الصارمة التي تشمل تجميد أصولها أو الحد من تعاملاتها مع البنوك الدولية، "إذا ما تبين إسهام هذه البنوك في تنفيذ سياسات مالية تخدم الحوثيين، وتستخدم كأدوات لتمرير الأموال المشبوهة".
وكان البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، المعترف به دوليا، قد أوقف التعامل مع 6 من أكبر بنوك البلاد، أواخر مايو/ أيار الماضي، إثر فشلها في نقل مقراتها الرئيسة من مناطق نفوذ الحوثيين إلى عدن، وعدم امتثالها لأحكام القانون وتعليماته، قبل أن يتراجع عن ذلك بفعل ضغوط أممية.
وتوصلت الحكومة والحوثيون، في يوليو/ حزيران المنصرم، إلى اتفاق "خفض التصعيد" الاقتصادي، الذي ينص على عقد اجتماعات بين الطرفين، لمناقشة القضايا الاقتصادية والإنسانية كافة بناء على خريطة الطريق، غير أن هذه الاجتماعات تعثرت مؤخرا.
ويرى الخبير الاقتصادي، وفيق صالح، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن العقوبات الأمريكية الأخيرة، تعزز من دور البنك المركزي اليمني في عدن في إدارة السياسة النقدية في البلد بشكل عام، واتخاذ أي إجراءات في إطار مهامه وأنشطته الرامية إلى إعادة ضبط الوضع النقدي وإصلاح اختلالاته، بفعل الانقسام.
وذكر أن صدور القرار من واشنطن "التي ترعى مع الأمم المتحدة، اجتماعات الحكومة والحوثيين، لمعالجة الانقسام المصرفي وإيجاد إدارة موحدة للبنك المركزي اليمني، سينهي أي محاولات للتقارب، وسيقلص من تأثير الحوثيين على القطاع المصرفي والوضع النقدي".