آخر تحديث :الأحد - 22 ديسمبر 2024 - 12:55 م

كتابات واقلام


رازم

الخميس - 07 ديسمبر 2023 - الساعة 01:48 م

سالم الفراص
بقلم: سالم الفراص - ارشيف الكاتب


مابين الصحوة والغفوة وكوابيس القلق اليومي التي لا تكاد تتوقف او تنتهي عند نقطة أو حد ما معين الفيت نفسي وكانني انهض مغادرا فراش نومي على عجل بعد ليلة مقطعة الأوصال قاصدا الزاوية الوحيدة التي كانت تسمح باستقبال اسمالنا جميعا دون حاجة لنظام أو ترتيب.

وعلى غير العادة بدا لي كل شيء أريده ماثلا امامي وفي متناول يدي وكانه بذلك يحظني علي اختزال الوقت ومباشرة الاندفاع خلف وجهتي الصباحية اليومية المعتادة والتي بدت وكانها تستدرجني بكياسة اليها جعلتني استجيب لندائها
دون ان إبدي أي مقاومة أو رغبة عندي في الاعتراض أو المخالفة متنازلا بطيب خاطر عن جملة حججي التى تلبي رغبتي المعتادة في التقاعص والتململ اثنا قيامي بتجميع وارتداء سواتر جسدي والاهتمام بغسل اسناني وحلق ذقني ومسح وجهي واطرافي التي غالبا ما كنت اعمد إلى الالتجاء اليها قاصدا هدر الوقت بسخاء من اجل اتمامها.

لم اذكر كيف تسنى لي عدم اتباع اي من تلك العادات التي درجت على اتباعها وعدم التفريط بها،ولا كيف استويت بتلك السرعة على الطريق برغم من وفرة الاسباب والمبررات التي تجيز لكل موظف التهاون
باالالتزام بمواعيد ساعات العمل
أهمها وفي مقدمتها ارتفاع درجة الحرارة والساعات المديدة لانقطاع التيار الكهربائي الذين استحالا بحرفية عالية إلى وسيلتا تعذيب تضاهي كل عذابات زنازين اعتى المجرمين في سجون القرون الوسطى. لكني ولاول مرة كنت غير مهتما البته بكل تلك التفاصيل التي تضاءلت امام هجس الهروب اليومي من كل شيء إلى الاشيء متبعا مسار خطواتي المتحفزة تاركا لها دون تدخل مني حرية اقتيادي في خط مستقيم مع شعوري بالاشياء من حولي دون حاجة إلى النظر اليها او التأكد من وجودها.

كنت قد غادرت قلب مدينة التواهي فوق درب بدى مألوفا لي مع اني لم يسبق لي ارتياده من قبل .
كان دربا شبه خاليا إلا مني وبعض مباني عتيقه تشرف واجهاتها الخلفية على وهد واسع لم اسلكه من قبل تنبعث منه رائحة مياه مالحة نضبت مخلفة ورائها بقع مازالت رطبة .

كان على لمواصلة السير أن اهبط من على مصدات خرسانية مغطاة بطبقة سميك من الاصداف وما أن بلغت قعر ذلك الوهد المترامي حتى اعتراني شعور بالوحشة اخذت أمد خطاي وسط عفن ينبعث من جوف الوهد حاملا معه رائحة بقايا سفن خشبية وحديدية محطمة غارقة في التراب .

كانت نظراتي ماتزال ملازمة للافق امامي الذي بداء يتكشف عن جدار اسمنتي مائل الى السواد تطل من فوقه أعناق رافعات حديدية قد كفت عن الحركة وشارفت اطرافها المتهالكة المشدودة إلى خيوط حديدية سميكة على السقوط .
كان علي للخروج من باطن ذلك الوهد والظهور على كامل تلك الرافعات الزرافية الرابضة بصمت تسلق مصد اسمنتي عال وعميق تاركا خلفي مدينة التواهي مكان انطلاقي ذلك الصباح وما أن أنهيت تسلقي بصعوبة وجدتني اقف على رصيف اسمنتي وبعض المباني والخزانات المتهالكة وقد غيب معظمها عتمة الغبار المتطاير .
كان مايزال على أن أكمل مشواري بالسير على طريق مليء بالتشققات والحفر وبقايا ناقالات وشحنات مرمية هنا وهناك .
الرياح تزداد جنونا حاملة معها غبار كثيف تصعب معه الرؤية والقدرة على تمييز ماحولك .
كان على قطع ماتبقى من مشواري للوصول إلى مقر عملي في المنطقة الحرة وهو المبنى الذي تم نصبه وحيدا باطراف كالتكس.
والذي كنت كلما اقتربت منه زاد الغبار المتطاير من حجب الافق وتعثر الروية من خلاله لما حولي من بعد .
كان وصولي لمقر عملي المنطقة الحرة عدن أكثر تاخيرا من اي يوم اخر رغم نهوضي المبكر رحت اقترب منه مستدلا عليه بالديكور الخشبي الخارجي الشديد الميلان.

وفيما كنت احاول ولوج المبنى الذي يقع فيه مكتبي متجاوزا حجب الغبار التي كنت كلما تعمقت فيها لا أرى إلا اوراق ملونة وخرائط وصور جوية وارضية وجداول وارقام تتطاير في الهواء مقتربة مني لتاخذ في الابتعاد سريعا الى اكثر من جهة كان مقر عملى هو الآخر فارغا الا من بعض مكاتب وجدران زجاجية مدججة بالفراغ وجنود حراسة يظهرون تم يغيبون بسرعة حركة الرياح والغبار .